ضحايا الحرب المنسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخلت الحرب المنسية لتوها عامها العاشر، ولكن بالطبع لم يلاحظ أحد ذلك، ومنذ أوائل عام 2003، لقي 300 ألف شخص مصرعهم وشرد أكثر من مليوني شخص آخرين. وتتفاقم المشكلات يوما بعد الآخر حتى وقت كتابة هذه السطور. وقد هرب إلى مخيمات لاجئين متداعية في الشهرين الأولين من العام الجاري أناس يزيد عددهم عن كل من هربوا إليها في عام 2012 بكامله، والسبب في ذلك هو تفاقم عمليات القصف الجوي والهجمات العسكرية التي تشن بلا تمييز.

يعاني الضحايا الباقون على قيد الحياة في هذا الصراع الرهيب الذي لا ينتهي، من أمراض متعددة بما في ذلك السل، الملاريا، والعشى الليلي والتيفوئيد، حسبما أعلن وزير الصحة في المنطقة. وأضاف: "إن الناس معرضون للمشكلات بصفة خاصة بسبب سوء التغذية بل والمجاعة. ورغم ذلك، فإن الرعاية الصحية ليست متوفرة لأحد".

هل هذه سوريا أو أفغانستان؟ ربما كانت الصومال أو اليمن؟ لا، إن الحرب التي لا يتذكرها أحد تدور رحاها في دارفور في السودان. هل هذا أمر مدهش؟ لم يتغير شيء تقريبا، منذ كانت دارفور تتصدر عناوين الصحف في صفحاتها الأولى منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة. وقد ذهبت حينها مع وزيرة الخارجية الأميركية عندما زارت دارفور وتحدثت حول الصراع مع الرئيس السوداني عمر البشير شأن الكثير من قادة العالم، وفي مواجهة كل منهم، كان البشير يبتسم ويومئ موافقا، ثم بعد مغادرة الزائر يواصل ما كان يفعله.

وقد أصدرت الأمم المتحدة بصورة متواصلة قرارات حافلة بالإدانة، واعتمدت إرسال قوة سلام تابعة للاتحاد الإفريقي، ولكن أسوأ ما واجهه المسؤولون السودانيون هو الكثير من الكلام، وهكذا استمر الأمر.. ومؤخرا أصدرت كاترين أشتون مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بيانا قالت فيه إنها "تشعر بالانزعاج العميق حيال أنه بعد 10 سنوات لا يزال القتل والاقتتال مستمرين، ولا يزال الملايين من أبناء دارفور نازحين داخل بلادهم أو لاجئين خارجها".

قبل 7 سنوات، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ريتشارد باوتشر: "إننا نشعر بالقلق العميق من أنه رغم تطمينات الحكومة السودانية، فإن العسكريين لا يزالون يحولون دون عمليات تسليم المعونة للاجئين". وفي الأسبوع نفسه، قالت كارول بيلامي رئيسة الصندوق التابع للأم المتحدة إنها "تشعر بالقلق العميق إزاء الانتهاك المتفاقم الذي يتعرض له السكان المشردون". فعلى امتداد 10 سنوات، لم يكن هناك نقص في الخطاب المتعاطف، أما بخلاف ذلك فلم يتم القيام بشيء له تأثيره.

بدأ صراع دارفور في 28 فبراير 2003، عندما هاجمت مجموعة مسلحة مواقع حكومية واتهمت قادة الخرطوم بتجاهل الإقليم، وضربت الحكومة بعنف وجندت ميليشيات محلية للتصدي للمدنيين وأحرقت قرى بأكملها. في ذلك الحين كان رد فعل العالم بطيئا، وفي سبتمبر 2004 أعلنت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أن ما يجري يشكل جرائم حرب، وتوسط الغرب وخاصة الولايات المتحدة للتوصل لاتفاقيتي سلام بين الحكومة ومسلحي دارفور عامي 2006 و2009، ولكن الخرطوم تجاهلت الاتفاقين وواصلت القيام بما درجت عليه.

في 2009، كان اهتمام العالم قد انصرف بعيدا، حيث نحت الولايات المتحدة المشكلة جانبا بتعيين مبعوثين خاصين واحدا إثر الآخر على طريقة المسلسلات الصابونية، حسبما كتب أحد قادة دارفور في "أفريكان نيوز". وقد عمل هؤلاء المبعوثون بشكل أو بآخر بعيدا عن الرأي العام، وركزوا في السنوات الأخيرة بصفة أساسية على المساعدة في تأسيس دولة جنوب السودان التي انفصلت عن الشمال. ولم تظهر اهتماما يذكر بدارفور، حيث برزت أولويات أخرى.

ويبرهن غياب الاهتمام بهذه الفظاعة التي امتدت عقدا من الزمان، على أنها مشكلة قاسية بالنسبة لوكالات الإغاثة التي تعمل على إبقاء الملايين من أبناء دارفور على قيد الحياة. وقد أشارت أوكسفام، مجموعة المساعدة الدولية المعروفة، في ذكرى مرور 10 سنوات على هذه الحرب، إلى أن "مصادر التمويل من الداعمين الأفراد إلى المؤسسات الكبرى قد حولت انتباهها من الاتجاهات الأخرى، وتتعرض برامجنا الخاصة بالسودان للخطر، في وقت تتزايد خلاله الاحتياجات الإنسانية مجددا".

Email