صوموا تصحوا

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل ينطبق عنوان المقال على هذا العصر؟ هل صيامنا صحي؟

جميع القوانين الأرضية تخصص عدداً من الأيام في السنة لكل موظف، تحت بند الإجازة السنوية لكي يستريح بدن العامل وعقله ويعيد شحن طاقته، فما بالنا بالقانون الإلهي الذي أوجد شهراً فرض فيه الامتناع عن الطعام والشراب والموبقات، لإراحة الجسد والروح.. لكن الواقع عكس ذلك تماماً.

يدخل جميع أعضاء الجسم في عمل إضافي ومناوبات ليلية، تجعل البدن في حالة طوارئ يومية. فبدلاً من إراحة الجهاز الهضمي والكبد وإعطاء جدران المعدة فرصة لإعادة البناء في شهر رمضان، يتعرض الجهاز لإعصار من الولائم التي ليس لها أول ولا آخر. وبدلاً من استغلال الفرصة لرفع الكولسترول الجيد، تنقلب المعادلة وترتفع أسهم الكولسترول السيئ، لحد الإغلاق اليومي الأقصى.

لنكن واقعيين، هل أصبح الحديث عن رمضان والصحة أمراً روتينياً سنوياً؟ أعتقد ذلك، فمعظم، إن لم يكن الجميع، قد سمع مراراً وتكراراً بالفائدة الفلانية والفلانية للصوم على صحة البدن.

أصبحت عاداتنا وتقاليدنا تسيرنا وتقودنا لما تريده هي.. تعريف الكرم تغير وتشوه، حتى أصبحت معه أجسامنا أوعية لأمراض متى ما بدأت لن تقف حتى تقضي على صاحبها. هل طول فترة الصيام في سنوات الصيف الحالية نعمة لتقليل كمية المأكول في ساعات الإفطار القليلة؟ أم نقمة لبلع أكبر قدر من الطعام؟

لا أذكر في دراستي للطب وجود تشابه بين الإنسان والجمل، من وجود مخزن طعام يستخدم وقت الصيام. غريب هو أمر البشر، نتحدث عن فوائد هذا وذاك، وعند حلول وقت التنفيذ يتبخر كل شيء، وننقاد مثل العبيد وراء عاداتنا.

لفت انتباهي قول الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، في القمة الحكومية المنصرمة، بأننا يجب أن نتعود على عدم التعود. لقد تبرمجت أجسامنا في شهر رمضان، لدرجة عدم تقبل أي تحديث أو تطوير في البرمجة.

لكن ما ذنب هذا الجسم لكي لا يستفيد من خيرات هذا الشهر وفوائده عليه؟ لنبحر بعجالة في أروقة الجسم لنرى آثار الصوم عليه.

أثناء فتره الصيام، والتي تمتد من بعد أذان الفجر وحتى أذان المغرب، يعتمد الجسم في طاقته وحاجته على سكر الغلوكوز من وجبة السحور، إلا أن تلك الوجبة لا تستطيع توفير هذه الطاقة والسكر إلا لساعات معدودة، بعدها يجد الجسم نفسه مضطراً للاعتماد على الطاقة وسكر الغلوكوز من المواد السكرية والدهنية المخزّنة في أنسجه الجسم، وبديهي أن يبدأ الجسم أولاً باستهلاك الخلايا المريضة أو التالفة أو الهرمة. وبعد الصيام ومع تناول الإفطار، يتجدد بناء هذه الخلايا بخلايا جديدة تعطى الجسم قوة ونشاطاً وحيوية.

انخفاض الوزن ومؤشر كتلة الجسم، من فوائد الصيام الأخرى. أعتقد أن معظم القراء يعلمون إيجابيات عدم الوقوع في فخ السمنة والوزن الزائد، فعصابة الأمراض المزمنة تعشق السمنة وتنفر من الوزن المثالي. لكن لكي ننجح في حربنا ضدها، يجب أن نحاول قدر الإمكان الاعتدال في الفطور والسحور، والأهم ما بين الفترتين.

يعالج الصوم كثيراً من مشكلات الجهاز الهضمي، مثل زيادة الحموضة وعسر الهضم وانتفاخ البطن، ذلك أن امتناع الشخص الصائم عن الأكل والشرب طوال فترة الصوم، يعطي فرصة لعضلات وأغشية الجهاز الهضمي لتتقوى ويزداد عملها وحيويتها.

كما يلعب العامل النفسي دوراً كبيراً في شفاء بعض علل الجهاز الهضمي، مثل القولون العصبي، وذلك نتيجة لما يسببه شهر رمضان من السعادة والبهجة وطمأنينة النفس وهدوء البال. لكن هذا لا يمنع من تبيان بعض الآثار الصحية السلبية المؤقتة التي تظهر في أول أيام الشهر لبعض الفئات.

فالذين يتناولون الشاي والقهوة بكثرة (يحتوي على مادة الكافايين المنبهة) في الأيام العادية، سيشعرون بالصداع في بداية الشهر الفضيل، نتيجة الهبوط المفاجئ للكافايين في أجسامهم. الحل بسيط، وهو تقليل عدد مرات التناول تدريجياً من يومنا هذا لبداية الشهر. المدخنون ونتيجة لمادة النيكوتين، سيعانون من نفس الأعراض، والحل هو نفسه.

لن أستطيع التحدث أكثر، فمقال واحد لا يكفي لسرد منافع شهر الرحمة والمغفرة على أجسامنا. لكن لا يسعني أن أقول إلا قول بوراشد: «يجب أن نتعود على عدم التعود».

 

Email