لبنان في مواجهة أزمة النزوح السوري

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العاشر من يونيو 2013، دق رئيس الجمهورية اللبنانية، وبعض الوزراء المعنيين مباشرة بشؤون النازحين السوريين إلى لبنان، ناقوس الخطر لأن كارثة حقيقية تنتظر اللبنانيين في القريب العاجل، إذ بات عدد النازحين السوريين إلى لبنان قرابة المليون نسمة، أي ما يعادل 25% من سكان بلد صغير المساحة ويتجاوز عدد سكانه الأربعة ملايين نسمة، تضاف إليهم قرابة ثمانين ألف فلسطيني نزحوا إليه من مخيمات سوريا.

لذلك وجهت الحكومة اللبنانية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين، نداء عاجلا لمساعدة لبنان طالبت فيه بمبلغ 1.6 مليار دولار لدعم مراكز الخدمات العامة الأساسية، وإيواء النازحين الهاربين من جحيم الحرب السورية، والذين يتزايد عددهم بصورة مخيفة.

بدورها، تولت وزارة الصحة شرح العقبات التي تواجه مساعدة الجرحى السوريين في لبنان بعد معركة القصير، وعدم قدرتها على استيعاب المزيد لعدم وجود أسرة كافية في المستشفيات.

وتقدم الأمم المتحدة مساعدات عاجلة لتغطية تكاليف العلاج، ثم تتوقف بعد فترة وجيزة عن تقديم الدعم الذي يقع على كاهل الحكومة اللبنانية.

يضاف إلى ذلك أن المساعدات العربية التي وصلت إلى لبنان، لم تغط سوى نسبة ضئيلة من النفقات. فزادت مأساة النازحين السوريين، وبات بعض العائلات تقيم تحت جسور العاصمة بيروت.

والأخطر من ذلك أن رقم المليون نازح إلى لبنان مرشح لزيادة كبيرة في الأشهر القادمة، نظرا لاحتدام المعارك العسكرية في سوريا. فقد اتخذ النظام السوري قرارا بحسم المعركة عسكريا، وتطهير المناطق السورية كافة من جماعة جبهة النصرة، والقاعدة، وباقي فصائل المعارضة السورية المسلحة.

وتدور الآن معارك شرسة في حمص، ودرعا، وإدلب. ويبدو أن المعركة الأكثر خطورة تدور الآن في حلب، ومن المتوقع أن تدفع إلى لبنان أعدادا كبيرة من عائلات حلبية، إسلامية ومسيحية وأرمنية وكردية وغيرها.

لقد انعكست الأزمة السورية بشكل حاد على الداخل اللبناني، المأزوم والمنقسم عموديا منذ سنوات طويلة، لكنها باتت اليوم تهدد مصير لبنان، حكومة وشعبا، وذلك لأسباب بنيوية لا يستطيع النظام اللبناني تحملها.

فقد طال التوتر الأمني المباشر بعض المناطق اللبنانية، وضربت القذائف السورية، من جانبي النظام والمعارضة، عمق الأراضي اللبنانية حتى وسط مدينتي الهرمل وبعلبك، وقررت مجموعات مسلحة سورية معارضة نقل المعركة إلى لبنان، ردا على مشاركة مقاتلي حزب الله في معركة القصير.

ونجت مدن وقرى لبنانية من مجازر رهيبة بعد سقوط قذائف صاروخية في مناطق مكتظة بالسكان، فطالبت عشائر بعلبك الهرمل، وهي عشائر مسلحة ومدربة على القتال، الدولة اللبنانية بتحمل مسؤولياتها، ودعت الجيش اللبناني إلى اتخاذ تدابير رادعة للرد على مصادر النيران، وهددت بالرد على مطلقي القذائف من الجانب السوري، ومنع نقل المصابين منهم للعلاج في لبنان.

تجدر الإشارة إلى أن سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية، لم تجنب لبنان وزر المعارك الدائرة في سوريا، بل دفعت إلى لبنان عددا مضاعفا من النازحين. ومن المتوقع أن يزداد حجم النازحين في حال استمرت معركة الحسم العسكري بين النظام السوري والمعارضة، وفشل مؤتمر جنيف الثاني في إيجاد حل سلمي للأزمة السورية.

على الجانب الإنساني، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن عدد النازحين السوريين المسجلين في لبنان يرتفع بوتيرة عالية، مما دفع الأمم المتحدة لدعوة مجلس الأمن لاتخاذ قرار يرمي إلى جمع ستة مليارات دولار لمساعدة النازحين السوريين المشتتين بأعداد مختلفة في لبنان، والأردن، والعراق، وتركيا، ودول أخرى.

نخلص إلى أنه بعد حسم المعركة العسكرية لصالح النظام السوري على جبهة القصير وجوارها، احتدمت المعارك في حمص وحلب ودرعا.

فرفع المسؤولون اللبنانيون الصوت عاليا لحل مشكلة النازحين السوريين إلى لبنان، ودعوا الدول الشقيقة والصديقة إلى تسديد ما وعدت به في مؤتمر الكويت من مساعدات مادية لتحسين أوضاع النازحين الإنسانية، وطالبتها بمضاعفة مساعداتها لإيجاد مأوى للنازحين وتأمين الرعاية الصحية والمعيشية لهم. لم يعد بمقدور لبنان، الرسمي والشعبي، تحمل تلك الأعباء دون مساعدات عربية ودولية.

وقد عبرت منظمات دولية عدة عن قلقها من تفاقم أوضاع النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية، ومشاركة قوات عسكرية لبنانية في القتال الدائر في سوريا، ومن وجود منظمات أخرى تجمع أموالا ومساعدات عينية من دول العالم، دون أن تصل إلى النازحين السوريين، ولا بد من استخدام التبرعات المالية من مختلف الدول والمنظمات العالمية، لإيواء أعداد إضافية منهم.

بعد أن دخلت الأزمة السورية مرحلة الحسم العسكري، من المتوقع أن يتلقى كل من النظام والمعارضة في سوريا أسلحة إضافية حديثة، لتدمير سوريا بأيدي السوريين أنفسهم.

ونظرا لوجود حكومة مستقيلة في لبنان وأخرى لم تتشكل بعد، يتحمل اللبنانيون وزر سياسة خاطئة استدرجت القصف السوري إلى عمق الداخل اللبناني، مما أدى إلى ارتفاع أعداد النازحين السوريين إلى لبنان بشكل عمودي، فبات لبنان بحاجة إلى موارد مالية ضخمة يصعب على الدولة اللبنانية تأمينها.

ختاما، يعتبر لبنان من أكثر الدول التي تضررت من جراء استمرار الأزمة السورية، وعجز الدول الكبرى عن إيجاد حل سياسي لها في مؤتمر جنيف الثاني. وتقدر خسائر اللبنانيين بمئات القتلى والجرحى، والكلفة الاقتصادية بمليارات الدولارات، وهي معرضة للارتفاع مع ازدياد حدة المعارك وأوهام الحسم العسكري في سوريا.

وتتعرض قرى لبنانية يوميا لقصف مكثف من الجهة السورية المقابلة، سواء من الجيش السوري النظامي أو من الجيش الحر والتنظيمات الأخرى المتواجدة بكثافة على الساحة السورية، مما اضطر أعدادا متزايدة من اللبنانيين للنزوح إلى داخل العمق اللبناني، فكثر عدد النازحين على أرض لبنان في ظل دولة رخوة تسببت بمآس كبيرة لمواطنين أبرياء يتحولون إلى لاجئين على أرضهم.

والدولة اللبنانية اليوم غير قادرة على وقف سيل النزوح الحاد من مناطق القتال المستمر في سوريا، وهي عاجزة عن إيواء النازحين ورعايتهم، دون أن مساندة من الدول العربية والمنظمات العالمية لإيواء ورعاية النازحين.

Email