اشتعال الثأر بين المسلمين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يا ترى ماذا يحدث حولنا؟ وتحديداً منطقتنا التي طالما عاشت في سلام وأمن واستقرار؟ الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، والقلق أصبح سمة أهالي المنطقة من عالم تعدى حدود الأخلاق إلى حدود الفوضى والطمع والقتال المحرم.

أجراس الخطر بدأت تدق على أبوابنا، واكتشفنا فجأة بأن أعداءنا لم يأتوا من الغرب ولا من الشرق الأقصى ولكن خرجوا من بين صدورنا.

قبل خمسين عاماً، كان الطمع على منطقة الخليج لا يتعدى مخططات الدول الصناعية في وضع اليد على مخزونات النفط ومن ثم تأمين طرق الملاحة لها. ومع علمنا بنواياهم، ظللنا بسبب الضعف والتشرذم صامتين على هذا الظلم لعدم وجود بديل آخر ولحاجتنا لحمايتهم من خطر أشد وطأة.

بعد ثورة يوليو 1952 انتشرت ظاهرة القومية العربية بقيادة الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر والتي أقلقت الغرب خشية أن يؤثر على مصالحه. غير أن عبدالناصر الذي جاهر بتحريض العرب على التخلص من نير الاستعمار لم يتدخل كثيراً في قرارات دول المنطقة. وربما كان أبعد من أن يثير الفوضى في منطقة صغيرة ومسالمة هو نفسه غير قادر على حمايتها في حالة تعرضها لعدوان خارجي. باستثناء ما عرفناه من تدخله العسكري في اليمن لحسابات وظروف مختلفة تماماً.

غير أن الأمور تحولت والأنفس تبدلت، وبعد مرور ستين عاماً، أصبح العرب أبعد ما يكونون عن القومية العربية بل أسوأ من ذلك، أبعد ما يكونون عن تطبيق أبسط مبادئ الشريعة الإسلامية. بمعنى آخر، فقدوا أهم ميزتين لديهم: العروبة الصادقة والإسلام الحقيقي. القومية العربية أمام ما نشاهده اليوم تحولت إلى هيكل عظمي تصفر فيه رياح الانقسامات المذهبية والطائفية. والإسلام بعد أن كان على مدى قرون من الزمن يمثل الدولة العظمى في زمنه، بدأ يتراجع ويخلي كل شبر اكتسبه بدماء أبطاله وذلك بمجرد أن تضعضعت أركان عروش الأندلس لأسباب مخزية الكل يعرفها. هنا فقط توقف بنا الزمن.

وبدأنا في التقهقر كما يتقهقر ضياء الشمس عند بدء الزوال. ثم غربت شمس الأندلس، وبعد سنين بدأت تغرب شمس فلسطين وما زالت تغرب أمام أعين المسلمين على الأراضي المتبقية لأهاليها، ومع هذا بقينا متمسكين بقشة العروبة وقشور الإسلام حتى لا نغرق. وكان هناك بصيص أمل أن نستعيد أمجادنا الغابرة ولو بعد حين.

وفي بدايات هذا القرن خرجت مجموعة باسم الإسلام وتصرفت بعنف لم يعهده الإسلام من قبل، وبقدر ما فلحت في زعزعة الاستقرار في العالم، بقدر ما أساءت لأمة الإسلام والعروبة. وبين ليلة وضحاها، وجد العرب والمسلمون أنفسهم أمام هجمة غربية شرسة قطعتهم إرباً إرباً منبوذين من الجميع مطرودين حيث حلوا. فحصل الغرب على أكثر مما كان يطمع إليه، وخسر المسلمون والعرب كل ما كانوا يحلمون به. ونتيجة لهذه الفوضى العارمة التي بدأت من أفغانستان مع فشل أنظمة الربيع العربي في تحقيق أدنى ما وعدوا به، برزت إلى السطح ظاهرة لم تكن معلنة إلا في حدود ضيقة، .

وهي ظاهرة الصراع المحرم بين الشيعة والسنة. وإذا بالحرب تشتعل في سوريا باسم المذهبية: الشيعة من جهة ويمثلهم إيران وحزب الله وحليفتيهما سوريا، والسنة من جهة أخرى ممثلين ببعض الدول التي تخشى منذ زمن هيمنة التمدد الفارسي. وبدلاً من أن يقوم قادة المسلمين من علماء الدين الكبار من كلا الطرفين بتهدئة غليان روح الثأر بين المسلمين، تعمدوا بصب مزيد من الزيت على النار التي كانت في بدايتها، ساعدهم في ذلك بعض وسائل الإعلام ذات الأهداف المعروفة،.

وزهقت بذلك أرواح مئات الآلاف من الأبرياء وكل ذلك كان يتم باسم الدين الذي أسأنا فهمه ثم لم نحافظ عليه كما لم نحافظ على الأندلس وفلسطين من قبل. وإذا بسوريا تتحول إلى مقابر وركام، وانتقلت العدوى إلى لبنان، ودخلت العراق على الخط، وكذلك الأردن وتركيا، وبعض دول الجوار بحجة دعم المقاومة المسلحة التي بدورها تركت الميدان بين قتيل وجريح وفار بعد أن تخلى عنهم حلفاؤهم..

هنا بدأت تغرب الشمس عن مجمل مساحات الأمة الإسلامية...

 

Email