تنافسية الديمقراطية الإماراتية (1/2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

اشتدت وتيرة اللغط في الآونة الأخيرة بالحديث حول الديمقراطية، ومستوى الحقوق والحريات، وتركزت من جانب بعض الجماعات في اتجاهات ضيقة، مبنية على مقارنات ومقاربات ببعض الدول المتقدمة في ذات المجال، وانحصر التحليل والتأويل في الجانب الشكلي المبني على تحقيق منافع قد يكون هدفها عند البعض تحقيق وإشباع حاجات شخصية أو حزبية أو حتى مذهبية...

وكانت المصلحة العامة للمجتمع بعيدة كل البعد عن تلك التحليلات والتأويلات، حيث تجلت تلك الممارسات في عمل منظّم لهذه الجماعات بعد أن تكشفت نوايا أفرادها، تحت غطاء وادعاءات دينية، بينما أثبت الواقع وجود دوافع تتعلق بالاستيلاء على السلطة، وتحقيق مصالح شخصية تتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي التي حددت بما لا يحتمل التأويل، أطر العلاقة بين الشعوب وولاة الأمر.

وعلى الاتجاه الآخر، ظلت الحكومة الإماراتية تسير بخطى ثابتة وواضحة نحو تعزيز المشاركة السياسية، ضمن حدود المنطق وتحقيق المصلحة العامة بما يضمن الحفاظ على المنجزات التي تحققت، وبما يتوافق مع التركيبة الديمغرافية للمجتمع الإماراتي ونظام الحكم.

فحكومتنا تدرك جيداً أن اقتباس التجارب الناجحة وتعميمها على مجتمع الإمارات أمر ضروري، ولكن الأهم من ذلك كله هو القرار بمدى حاجتنا كمجتمع من تلك التجارب والممارسات؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن دولة الإمارات اليوم تعتبر النموذج الأنجح والأوفر حظاً بين مختلف المجتمعات الإقليمية والعالمية، فهي تتحلى بكفاءة حكومية وإدارة مؤسسية قلما تجد لها نظيراً في دول المحيط العربي، وليس أدل على ذلك مما نشره الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2013، والذي يعد من أهم التقارير العالمية التي تقيس مستوى تنافسية الدول، ويصدر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية في سويسرا.

حيث تصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة دول العالم في مجال الكفاءة الحكومية ومجالي القيم والترابط الاجتماعي، والقيم والسلوكيات، وحازت على المركز الرابع في مجال الأداء الاقتصادي والخامس في مؤشر التوظيف، والسادس في محور ممارسات الأعمال، بالإضافة لإحرازها مركزاً متقدماً ضمن العشر الأوائل عالمياً في التنافسية العالمية حسب ما ورد في التقرير.. فماذا نقول في دولة أصرت على أن تقود مجتمعها إلى العالمية في مجالات عدة يصعب حصرها في مثل هذه العجالة؟..

دعونا نتأمل في واقع تجربتنا في دولة الإمارات، مقارنة ببعض التجارب الأخرى لدى الدول التي تدعي ممارسة الديمقراطية... فنظام الحكم يقوم في دولة الإمارات على مبدأ "المشيخة"، وهو جزء من النظام الملكي الذي أقّره ديننا الحنيف، والذي أثبت على مر السنوات كفاءته، وحقق نجاحات نوعية عجزت الأنظمة الديمقراطية التي تدعي الحداثة عن تحقيقها.

والمقارنات في هذا المجال كثيرة، يمكن أن نبدأها بآلية تحديد الفريق القيادي للدولة، فهي تقوم في دولة الإمارات على مبدأ الاختيار، بينما تقوم في بعض الدول المدعية للديمقراطية على مبدأ الانتخاب...

والفرق بسيط، فقيادة دولة الإمارات تضمن وصول الأكفأ إلى سدة القيادة، والذي تم تحديده وفق مسار ممتد لسنوات عديدة، تضمن القيادة من خلاله توافر عناصر أساسية تتعلق بالقبول والقرب من المجتمع، بالإضافة إلى الاستقامة والحيادية والكفاءة والقدرات القيادية، وتغليب المصلحة العامة على جميع المصالح الأخرى، بينما ما ضمنته الأنظمة الأخرى هو وصول شخصيات تفتقر لأبسط مقومات القيادة، تطغى مصالحهم الشخصية والحزبية أو المذهبية على مصالح مجتمعاتهم، وبالتالي قادوا مجتمعاتهم إلى دوامة الحرب الطائفية والحزبية والمناطقية، وانشغلت القيادة في تعزيز السيطرة الحزبية أو المذهبية على أركان الدولة، بما يضمن الحفاظ على مصالحها.

وفي مجال تحقيق العدالة، استثمرت قياداتنا في العنصر البشري من دون تمييز، وتكفّلت بعيشه ليخرج إلى فضاءات الإنتاج والعطاء، حيث حققت له الرفاهية، وعززت له الحقوق والحريات، كما أنه يمثل نفسه بكل فرد منه أمام حكومته، ويستطيع إيصال صوته مباشرة لأعلى قمة الهرم القيادي في الدولة وبدون أية قيود، ويتم استيفاء احتياجاته بشكل فوري بعيداً عن البيروقراطية، بينما الملايين من الأفراد في كثير من المجتمعات الأخرى تعيش مكبلة، تمثلها مجموعة أعضاء في مجالس تختلف مسمياتها باختلاف الدول، تقضي معظم اجتماعاتها في مناقشة كل ما هو بعيد عن تحقيق مصالح واحتياجات الشعوب الفعلية.

Email