اعتماد سياسة معاكسة للتيسير الكمّي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أرجعت تحليلات اقتصادية كثيرة عمليات البيع الكبيرة التي شهدتها أسواق المال العالمية مؤخراً، إلى تصريحات رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي بن برنانكي، والبيانات الاقتصادية الصينية الضعيفة.

أعتقد أن في ذلك بعض من الحقيقة، ولكن دعونا لا ننسى أن عملية التصحيح التي شهدها سوق الأسهم الياباني، والذي بلغت نسبته 7 %، جاءت بعد ارتفاع السوق بنسبة 70 % خلال الأشهر الستة الأخيرة، وهي نسبة مبهرة جداً. لقد جاءت عملية التصحيح هذه متأخرة جداً. ولا يمكن أن تُعزى التقلبات في سوق الأسهم إلى تصريحات أو بيانات اقتصادية ضعيفة فقط.

لقد سلطت تصريحات برنانكي الضوء على المخاطر الناجمة عن عمليات شراء الأصول المرتبطة بعمليات التيسير الكمّي، وهي التصريحات التي جاءت أبكر من المتوقع، ما أعطى المستثمرين مبرراً لجني الأرباح.

تتمثل المعضلة التي تواجه برنانكي وغيره من رؤساء المصارف المركزية، في كيفية اتخاذ قرار بوقف الاعتماد على سياسات التيسير الكمّي، في وقت تنخفض فيه معدلات التضخم العالمية، ويرتفع فيه خطر الانكماش.

أظهرت الفترة الماضية أن نتائج التيسير الكمّي كانت إيجابية جداً بالنسبة للمصارف، ولكنها لم تكن كذلك بالنسبة للمستهلكين. لقد تم إعطاء البنوك المليارات من الدولارات من الأموال الرخيصة، حققت بسببها أرباحاً بالمليارات، من خلال شراء السندات الحكومية بدلاً من إعادة ضخ هذه الأموال الرخيصة مرة أخرى في الاقتصاد، وقد أثبتت ذلك دراسة حجم هذه الإمدادات من الأموال.

كما ثبت أنّ أولئك الذين كانوا يرون أنّ معدلات الفائدة التي تعادل صفر في المئة هي فضفاضة جداً، ويمكن أن تهدد النمو الاقتصادي، وتتسبب في تضخم عالمي، مخطئون تماماً، ذلك أنّ معدل الفائدة الذي يبلغ صفر في المئة، يمكن أن يكون ضيّقاً أيضاً إذا انهارت الإمدادات من الأموال، وهذا هو الوضع الذي نعيشه الآن.

ومع استنفاد السياسات المالية، لا شك أنّ العبء سوف يقع على السياسات النقدية. وأمام البنك المركزي الأوروبي مهمة أصعب بكثير، بالمقارنة مع الاحتياطي الفدرالي الأميركي.

أدّت ردة فعل المركزي الأوروبي البطيئة تجاه الأزمة المالية في عام 2008، وعناده المستمر في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها منطقة اليورو، إلى نمو اقتصادي ضعيف جداً، وإلى ارتفاع معدلات البطالة في جميع أنحاء دول المنطقة، ويُضاف إلى كل ذلك خطر انخفاض التضخم ومخاطر الانكماش.

من الواضح أن منطقة اليورو تحتاج إلى سياسات نقدية ميسّرة. تعاني معظم إمدادات الأموال من حالة ركود، وانخفضت الودائع، حتى في ألمانيا، إلى مستوى سلبيّ.

وتتقلّص الإمدادات الحقيقية من الأموال في بعض الدول مثل إيطاليا وإسبانيا بوتيرة مثيرة للقلق، ومع ذلك، فإن الوقت لم يفت بالنسبة للمركزي الأوروبي لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

 إن فرض الرسوم على أموال البنوك الساكنة، هي إحدى الوسائل التي تضمن استئناف البنوك لتقديم القروض إلى المستهلكين والمؤسسات الصغيرة. وهذا مجرد أمل. لقد بدأت أعذار المركزي الأوروبي تنفد، ذلك أنّ التضخم لم يعد مصدر تهديد، كما أنّ اليورو مستقرّ أكثر من العام الماضي.

Email