الإرهاب من جنس العمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

وكما ذكرنا في المقالة السابقة بأن مجرد فرد واحد وبتصرف غير مسؤول قادر على تحطيم كل القيم الإسلامية وتشويه سمعة الإسلام في العالم ظناً منه بأنه بذلك التصرف إنما ينتقم لدينه ولأمته، نقول بأن ظاهرة الانتقام الفردي هذه سببها المباشر سياسة الغرب تجاه المسلمين.

العداء البغيض الذي بدأ يتضخم بين معسكري الغرب والمسلمين لم يأتِ من فراغ. فبين هذين المعسكرين تاريخ طويل من الحروب والصدامات والغزوات والاستعمار والثأر والحقد الدفين حتى هذه اللحظة. وجاءت فترة الاستعمار الغربي لبلدان المشرق لتعمق هذا الخلاف. واكتشف المسلمون بعد فوات الأوان أن الغرب لم يأتِ.

كما أدعى لتعميرهم أو للأخذ بيدهم إلى التنمية بل لابتلاعهم ومحو ثقافتهم كما حصل مع احتلال فرنسا للجزائر، أو بأضعف الإيمان نهب مواردهم المادية والبشرية ولمصالح استراتيجية أخرى يدفع المسلمون ثمنها. وعندما فرح المسلمون باستقلال دولهم اكتشفوا بعد فترة وجيزة أنه كان استقلالاً شكلياً وأن السياسة ما زالت كما كانت عليه من خلال تنصيب رؤساء على هذه الدول ممن يخدم مصالحهم وأن من لا يرضخ يتم التخلص منه فوراً.

وعرف المسلمون بعد ذلك بأن الغرب وعلى رأسه الدول الاستعمارية كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة قد خططوا لزرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية والإسلامية ليصبح ذريعة ولتهديد الدول الإسلامية بعصاها. فاستفادت الدول الغربية من بيع الأسلحة إلى الدول العربية والإسلامية أكثر مما كانت تأمل من احتلال النفط.

واكتشف المسلمون بأن الدول الأوروبية ظهرت بوجهين متناقضين، ففي حين طبقت على شعوبها أفضل نظم الديمقراطية والحرية التي ساهمت في تطور بلدانهم على كافة الأصعدة، هي نفسها التي دعمت الأنظمة الدكتاتورية في البلدان المسلمة.

وفي الوقت الذي تشجع فيه الكيان الصهيوني على ارتكاب أبشع المجازر في حق الفلسطينيين العزل وسرقة ممتلكاتهم في وضح النهار دون أن تحرك ساكناً، هي نفسها من يهاجم الفلسطينيين ويتهمهم بالإرهاب لأنهم يطالبون بحقوقهم.

ولا أقرب مثلًا على هذا الرياء من وضع جمهورية إيران الإسلامية على لائحة الدول التي تدعم الإرهاب، ليس إلا لكونها تحولت من نظام الشاه المطيع للغرب إلى نظام جمهوري مستقل جديد في أسلوب الحكم، بالرغم من اختلافنا معهم في كثير من القضايا.

وكذلك حصل مع فوز الأحزاب المسلمة في الجزائر التي أطاح بها الغرب قبل أن تولد مع أنها كانت نتيجة لانتخابات ديمقراطية مئة بالمئة وكذلك حصل في غزة وغيرها من الحوادث التي كشفت بأن الغرب من خلال ممارساته وجرائم مخابراته المنتشرة في كل مكان وبسياسة الكيل بمكيالين والضحك على ذقون العرب والمسلمين إنما يمارس هيمنة استعمارية قديمة وبغيضة تكبر يوماً بعد يوم.

هناك حكام عرب وهناك شعوب عربية، والغرب لم يستوعب بعد هذه الظاهرة الاجتماعية وضرب بعرض الحائط كل مشاعر الشعوب العربية والمسلمة ووضع كافة إمكانياته لحماية من يحقق أطماعه.

إذا ما نظرنا إلى ما يجري هذه الأيام على الساحة السورية تكتشف استمرار لعبة الغرب بمساعدة الدول العربية، ليس في إيجاد حل للأزمة ولكن لتقسيم الدول العربية إلى أجزاء غير قابلة للتوحد. وقد نجح الغرب في ذلك في فلسطين وفي العراق وفي السودان والدور هذه الأيام على سوريا لا محالة ومن بعدها دول الربيع العربي الأخرى.

إذن، هناك أمور كثيرة ساعدت على انتشار ظاهرة الإرهاب الفردي في الشوارع الأوروبية والأميركية وذلك عندما يئست الشعوب المسلمة من حكامهم أن يردوا لهم اعتبارهم وأن يعيدوا لهم هيبتهم ووحدتهم التي تفككت نتيجة سياسة الغرب وسوء نواياه تجاه المسلمين. وعندما نقول (مسلمين) ذلك لأن الاستهانة الغربية لم تستهدف العرب ولكن المسلمين حيثما وجدوا.

 

Email