الفِكْرة «ملالا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

فتاة صغيرة، تخطو خطواتها الأولى في مرحلة المراهقة، إلا أنها تحمل هم رجال ونساء بلغوا من الكِبر والعَمَلِ عِتيّا. ملالا الباكستانية، ذات الخمسة عشر عاماً، التي تعرضت السنة الماضية لمحاولة اغتيال من قبل عناصر طالبان في قريتها بوادي سوات، لا لشيء إلا لأنها كانت تحض بنات جيلها على التعلّم، وتحاول أن توجِد حراكاً اجتماعياً لمنح المرأة حق التعليم؛ ففي بيئتها لا يُسمح للفتاة أن تُكمل دراستها بعد الصف الرابع.

وعندما أصيبت ملالا برصاصة في رأسها حرّكت الإمارات طائرة خاصة لتنقلها إلى المملكة المتحدة للعلاج، وحرص المسؤولون على زيارتها تباعاً حتى تماثلت للشفاء، وأكدوا لها بأن الإمارات واقفة معها قلباً وقالباً، وبأنها ملتزمة بدعم رسالتها العظيمة.

ولقد تأثر العالم كثيراً بقصتها، حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة أعلن يوم 15 نوفمبر من كل عام يوماً عالمياً لحق البنات في التعليم، وأطلق عليه «يوم ملالا العالمي». كما أنها رُشحت قبل ذلك عام 2011 للحصول على جائزة نوبل للسلام.

وقبل أيام استقبل الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، ملالا مع أسرتها في قصر سموه. وأكد لها أمام الجميع بأن ما قامت به يتماشى جنباً إلى جنب مع رسالة الإمارات السامية لتمكين المرأة ومساواتها بالرجل، كل في مجاله وحسب قدرته.

وأكثر ما أعجبني في كلام سموه قوله إن هذا النهج ليس جديداً على الإمارات، فلقد أسسه الوالد الشيخ زايد رحمه الله عندما آمن بأهمية دور المرأة منذ أن كان حاكماً على مدينة العين. أعانته في ذلك أم الإمارات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، حفظها الله، التي أثمرت جهودها عبر السنين، حتى صارت المرأة في الإمارات وزيرة وسفيرة ومسؤولة، بل وجندية وقائدة طائرة. لا تهمنا المناصب هنا، والمهم أن المرأة في الإمارات لا تستجدي حقوقها من المجتمع، فهي عنصر أساس في بلده، كالرجل تماماً.

وقد يظن البعض بأن هذا التمكين جاء طبيعياً في ظل تغيرات العصر، إلا أنني أختلف مع ذلك جداً. ففي الإمارات، كباقي الدول العربية والإسلامية، توجد جماعات وأفراد يرفضون هذه الفكرة، ويعملون جاهدين على تحجيم دور المرأة وحكرها في البيت فقط، ويصدرون الفتاوى «ليشرعنوا» تلك التصرفات. أنا لست مع أو ضد عمل المرأة، ولكنني ضد إجبارها على فعل شيء لا تُريده.

فالمرأة كيان كامل أكرمه الله تعالى مثلما أكرم الرجل، ومن حقها، شرعاً وإنسانية، أن تختار مصيرها. وكل من يستخدم الأعراف أو الدين ليسيء للمرأة ويقيّدها بقيود ما أنزل الله بها من سلطان، فإنه في الحقيقة يسيء إلى وطنه وإلى دينه.

إن تبني الإمارات لقضية ملالا يأتي في سياق رمزي، ورسالة إنسانية، فحواها أن النهج الذي تسير فيه الدولة يتماشى مع تعاليم ديننا الحنيف؛ فهو نهج وسطي يناهض الأفكار المتشددة التي يحاول كثيرون استقطابها إلى المجتمع الإماراتي. إلى جانب ذلك، فإننا نؤمن في الإمارات بأن التعليم هو الوسيلة المثلى لنهضة الشعوب وتقدم الدول ونضوج المجتمعات.

فعندما أرسلت الإمارات قواتها للمشاركة في حفظ السلام في أفغانستان وتأمين الطرقات لإيصال المعونات للقرى الفقيرة والمتضررة، فإنها لم تقف عند المساعدات العسكرية فقط، بل حرصت على المشاركة الحيوية في تعليم الشعب الأفغاني بكل الوسائل. وتعد الإمارات اليوم من أكبر المساهمين في برنامج تعليم القراءة والكتابة لمحاربة الجهل في أفغانستان، حيث تقوم بتعليم المعلمين والمعلمات، وطباعة الكتب وبناء المدارس.

ملالا بالنسبة للإمارات ليست فتاة، بل فِكْرة وضاءة في ظلام الجهل، كمصباح صغير في عالم مظلم كبير. إنها الشمعة التي توقدها الإمارات بدل أن تلعن الظلام، وهي فكرة إنسانية عامة وليست خاصة بالمرأة فقط. فالناظر إلى مجتمع الإمارات يرى تمكين الشباب والفتيات وفرصاً للتدريب وبرامج للتعليم والبعثات وأخرى للتطوير البشري.

سألتُ أبي قبل سبعة عشر عاماً عندما كتب يثني على جهود أحد المسؤولين، كيف لا يخشى أن يُقال عنه إنه يجامل، فقال لي: «مشكلة مجتمعاتنا يا بني أنها تحب أن تنتقد فقط، أما عند الإنجاز فإنها تصمت؛ وهذه هي السلبية. ومثلما يرى الناس أن من واجبهم إسداء النصيحة إذا ما رأوا خطأً، فإن من واجبهم أيضاً أن يُثنوا عندما يرون الصواب».

لذلك أقول شكراً لوالدي الشيخ محمد بن زايد، لما قدّمه لملالا، الفتاة والفِكْرة، ولأنه يبث فينا الإيمان بأن الإمارات ماضية قدماً، تحمل راية الاعتدال والوسطية، وتمكّن الشباب والفتيات من تحقيق تطلعاتهم المستقبلية.

 

Email