حروف الهجاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

من علمني حرفاً صرت له عبداً".. أستاذي الفاضل يا من علمتني حروف الهجاء وكررت الكلمة بعد الكلمة، وتابعت مسيرتي في بيتي الثاني "مدرستي"، أهدي لك هذه الومضات لعلي أستطيع أن أكون سبباً في سعادتك وبقائك في صحة دائمة، وأنت تمخر عباب السنين لبناء أجيال المستقبل. بيئة عمل تجمع في طياتها المتعة.

ولكن في نفس الوقت تحيط بها تحديات وضغط نفسي، تجعل العلاقة بين المدرس والمدرسة في شد ورخاء مستمر. تعتبر مهنة التدريس من أكثر المهن إثقالا بضغوط العمل، نظرا لما تنطوي عليه من أعباء ومتطلبات ومسؤوليات بشكل مستمر, الأمر الذي يتطلب مستويات عالية من الكفاءات والمهارات الفنية والشخصية من جانب المعلم، حيث بينت الدراسات العلمية فائدة وجود قدر من الضغط النفسي لدفع العامل إلى الإبداع والجد وتنفيذ المهام الموكلة إليه.. ولكن التحدي يكمن في التعامل مع الضغط الزائد.

من أهم مصادر الضغط الزائد التوقعات العالية من المدرس، فهو الذي يجب أن يربي النشء، وهو الذي يعلم، وهو الذي يثقف، وهو الذي يتابع.. وتستمر قائمة التوقعات، متناسين أنه إنسان في آخر الأمر. ضغط نفسي يقع بكامل ثقله على عاتق المدرس، مؤديا بالنتيجة إلى التوتر وارتفاع ضغط الدم وصعود نسبة السكر في الدم. يتميز الذين يختارون سلك التدريس بالعطاء والتضحية، لكن عندما يتم التعامل مع هذه الخصال كتحصيل حاصل، ولا يتم تقدير المدرس ماديا ومعنويا، تبدأ شعلة العطاء بالانخفاض حتى تنطفئ، ويدخل المعلم حينئذ نفق الإحباط والاكتئاب.

مصدر ضغط آخر هو ازدحام الفصول بالتلاميذ.. معضلة تجعل الكثير من المدرسين غير قادرين على إيصال الرسالة العلمية على الوجه الأكمل. هذا بدوره يؤدي إلى ضعف المخرجات، ما يجعل المدرس يفقد شعور الإنجاز وتحقيق الهدف، فيكون عرضة للعصبية والتململ، فاتحا الباب لتنفيس هذا الضغط في دخان السجائر وتبعاته من قائمة الأمراض المميتة.

ولا ننسى دور انعدام التطور المهني كعامل ضغط آخر مهم.. يقول المثل: "فاقد الشيء لا يعطيه"، فكيف للمعلم إتحاف الطالب بالجديد إذا لم يستطع حضور المؤتمرات وورش العمل بشكل دوري؟ وبما أن المعلم بطبيعته تواق للعلم والتعلم، فإن عدم توفر المنافذ الكافية لتفريغ هذه الطاقة، سيؤدي لضغط نفسي على المدرس، والنتيجة عدم الرضى الوظيفي وكثرة الغياب المرضي.

أما الإدارة المدرسية فقد تكون سببا للضغط النفسي، إذا لم تكترث بحاجات المدرس وبتوفير الأدوات المساندة للتدريس.. تحديات تجعل المعلم ناقما على المنظومة، معرضا نفسه لزيادة الكولسترول وترسبه على جدران شرايين القلب، نتيجة للتوتر المستمر الناتج عن ذلك.

أستاذي الفاضل ومعلمي، لا أستطيع رؤيتك تتعرض لهذه التحديات الجمة، التي تجعل صحتك ونفسيتك ريشة في مهب الريح، دون البوح ببعض الرؤى لجعل يومك أفضل. فدور المعلم مكمل لدور الوالدين، لأنه يتحمل نصيب الأسد في تربية وتعليم أبنائهم. فلنجعل توقعاتنا من معلمينا واقعية وعملية، لكي نقطف ثمار إبداعاتهم في أطفالنا، ولنزرع ثقافة التقدير والشكر لمدرسينا في جيل المستقبل.

. إعطاء هدية أو وردة للمعلم، له أثر السحر في رد جميل تضحياته وعطائه اللامتناهي.. تعويد أطفالنا قول "شكرا" لأستاذهم، يجب أن يكون أمرا مفروغا منه.. الحافز المادي للمعلم، سيجعل الطالب شغله الشاغل بكل همة ونشاط. وهنا يحضرني مثال حي مهم، فأحد أسباب تطور اليابان المذهل، هو إعطاء المعلم راتب الوزير!

أما تحدي ازدحام الصفوف, فوجود التقنيات الحديثة من أجهزة الحاسوب اللوحية وغيرها، سيجعل تواصل المدرس مع طلبته عميق المحتوى وبنوعية تجعل المخرجات سليمة. وبخصوص المؤتمرات، نستطيع دفع هذا الجانب بوضع عدد من الساعات العلمية وبشكل سنوي، على غرار ماهو مطبق عند الأطباء، لتطوير الجانب المهني عندهم. فعندما يحضر المدرس ورش عمل وندوات معتمدة، ويحصد حدا أدنى من الساعات العلمية، فإنه يُروي عطش التعلم بداخله، ومن ثم ينثر هذا العلم على طلبته، وهذا له أثر كبير على التوازن النفسي له وصحته في المحصلة.

وأخيرا، أرفع صوتي مناديا الإدارات المدرسية: "لا تفرّطوا في معلمي، فقد علمني حروف الهجاء وما أحلاها من حروف"!

 

Email