نكات الجهل والجهلاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

عاش العالم وخاصة العربي فترة يعاني من الجهل والجهلاء فكان هناك أقوام جهلوا الحقائق وأخذهم الوهم، وهناك آخرون أخذهم الظن بعيدا عن العلم.

فكان ما نجد اليوم من قلة الورع وضياع العلم وابتعاد الفهم المؤدي الى التخبط في أمواج هذه الدنيا. فلم يجدوا سفينة يركبونها مثل باقي الامم عدا سفنهم الشراعية التي بذاكرتهم، بينما غيرنا اليوم ركبوا السفن التي تعمل بالطاقة النووية.

يتحدث المنطقيّون عن الجهل، فقالوا العلم يقابل الجهل تَقابل الملَكة وعدمها، فالجهل هو عدم العلم لا مطلقا بل فيمن شأنُه أن يَعلم، فلا يُطلق الجاهل على من ليس من شأنه أن يتعلم، فليس الحائط جاهلاً ولا الشجر جاهلا، بل لا يقال للحمار إنه جاهل إلا مجازاً.

فيمكننا تعريف الجهل انه "عدم حضور صورة الشيء في الذهن" سواء علم الجاهلُ بعدم وجود تلك الصورة في ذهنه أو لم يعلم أصلاً، كخالي الذهن الذي لا يتمكَّن من معرفة مجهولاته، رغم أنَّه يعترف بجهله. اذكر حوارا قديما مع أحد المخترعين الكبار في دول الغرب في سؤال كيف انتم وصلتم الى هذا التطور رغم الجهل الأخلاقي الذي تعيشه بلادكم.

فقال البروفيسور: من تتكلم عنهم لا يعنوني لانه يوجد واحد في المائة من هؤلاء هم شريحة المخترعين وهو سبب تقدمنا وتطورنا في اليوم والغد.

هذا الكلام له أبعاد اقتصادية هامة منها البعد المعرفي بحال المجتمع، والبعد المعرفي بالشريحة المنتجة لمستقبل المجتمع، وأيضاً معرفة احتياجاتنا بالغد لكن معرفتها اليوم لكي تصبح جاهزة لنا غدا. اذكر الكثير من المنتجات الحديثة اليوم، كنا نشاهد منتجات تحاكيها في الأفلام الأمريكية خاصةً، فتعلم ان هؤلاء يرسمون المستقبل وكما يريدون هم فقط، وهم فقط ضع تحتها خط.

اذكر قصة حدثت مع أحد العلماء المتقنين للعلوم الشرعية المحققين وحاصل على شهادة الدكتوراه في مجال تخصصه الشرعي، وله مؤلفاته وكتبه، ويحقق المخطوطات التي عمرها قرابة ١٠٠٠ عام ومدرس بالجامعة و...الخ قال: كنت أصلي في المسجد فجاء رجل ووضع قدمه على قدمي والصق كتفه بكتفي حتى أخرجني من اتزاني وخشوعي في الصلاة، فسكتُ وصلينا حتى انتهت الصلاة.

فقال الرجل: السُنة القدم بالقدم، والكتف بالكتف، فقلت: شكر الله لك أريد أن أسألك ما هي مهنتك، فكان الجواب: خياط!! تمنيت ان أكون حاضرا حتى أسأل هذا الخياط عن حديث «لينوا في أيدي إخوانكم» ليشرحه ويبين التوفيق بين هذا الكمال الكلي، مع الكمال الجزئي في الحديثين الذي شوش به على غيره وهو يظن انه ملك دفتي العلم.

هذا حال من قرأ صفحة في كتاب، او سمع شريطا وظن انه أصبح من علماء الأمة. عندما لا يحترم كل شخص تخصص غيره، وعندما لا يتقن كل أحد حِرفته، ولا يحسن كل إنسان رسالته التي يؤديها، تحدث هذه الفوضى الثقافية او الجهل المركب.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل ابن علية عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس قال: «ثنتان حفظتهما عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته»، رواه البخاري، وجاء: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، رواه الطبراني والبيهقي.

يحكى ان رجلاً قرر ان يتوجه الى مدينة الجهلاء، فذهب الى المطار ليحصل على تذكرة، فقالوا له اذهب الى مواقف الباصات لأننا لا نظن أنة لديهم مطارات هناك، فوقف في مواقف الباصات وأخذ ينادي هل احد يعرف الطريق الى مدينة الجهلاء؟ فقال أحدهم نعم اركب معي حتى أوصلك.

فكاد يركب معه، فقال لا بل تعال واركب معي المصعد القريب البعيد! حتى وصلا الى الطابق الأخير في البرج، وقال له ها قد وصلنا فقط عليك أن تقفز من هنا فستجد مدينة الجهلاء هناك في النار.. فقال الرجل صدقت ومن أجهل ممن أدخل النار.

أكثر ما يلفت الانتباه في منطق اهل الجهل باختلاف مدارسهم الفكرية، انك تجدهم نتيجة هذا الجهل اصواتهم مرتفعة وترى حدتهم في الكلام، المنافي لصفة العلم والوقار، وهو على قناعة كاملة انه على الصواب لكنه على الوهم، فكما قال حكيم العرب كان النَّاسُ ناسًا لولا الوهم، وكان الوهمُ وهماً لولا النَّاس.

Email