حرب الساطور وطنجرة الضغط

ت + ت - الحجم الطبيعي

الرجل مسلم، كما بدى من تصريحاته. والساطور صناعة بريطانية، كما يبدو من جودته. والجريمة نتيجة طبيعية لتراكم الجهل.

أولًا، هناك أكثر من مليار ونصف المليار مسلم على وجه الأرض. ويكفي لرجل واحد أن يتصرف بمزاجه ودون ترخيص من علماء الشريعة بشتى مذاهبهم، لكي ينقل المليار ونصف المليار مسلم من خانة المسالمين إلى خانة الإرهابيين الشوارع، ويشوه سمعة الدين السماوي فيحوله من دين السلام إلى دين الإرهاب.

وقبل شهر تقريباً حدث أمر مشابه ولكن في القارة الأميركية. زهق أرواح الأبرياء. والمشتبه بهما مسلمان أيضاً ولكن من الشيشان. وفي كلا الحادثين، لم تكن الساحة ساحة معارك ولا موقعاً حربياً. والضحايا دائماً من الأبرياء.

ومثل هذه المبادرات الشخصية من قبل من يدعون الإسلام ليس بجديد، وعلى رأسها تتربع مبادرة أسامة بن لادن بضرب برجي التجارة قبل أكثر من عشرة أعوام والتي خلفت 3000 قتيل، ووقتها تباهى نظام القاعدة بفعلته ضارباً بالحائط كل أسس الشريعة الإسلامية التي حرمت قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.

وقبل هذا وبعده وقعت حوادث عديدة زج المليار ونصف مليار مسلم فيها رغم أنوفهم ودفعوا ثمنها غالياً وسيدفعونه غالياً إلى قرون طويلة قادمة.

المأساة أن من يقومون بمثل هذه الأعمال المخالفة للشريعة الإسلامية يرتكزون على فكرة الانتقام والثأر والتحرر والمعاملة بالمثل (العين بالعين والسن بالسن) من الهيمنة الغربية.

هناك شبه مغالطة في المسألة. فالغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية ومعظم دول أوروبا غير مسؤولين عما يحدث لنا.

عندما يقتحم لص بيتك وينهب أموالك، فليس اللوم على السارق وإنما على صاحب البيت الذي غرق في النوم تاركاً بيته دون حماية أو هو من دعى اللص بنهب بيته أو لأن أصحاب البيت الواحد في نزاع دائم فيما بينهم.

فشعوبنا تركت بلدانها مشرعة الأبواب واستهترت بقدرات مواطنيها واعتمدت على الغرب في كل صغيرة وكبيرة وتنازعت فيما بينها حتى سهل تقطيعها ومن ثم نهبها.

ولكي نعيد حقوقنا ونطرد أعداء الإسلام منها يجب أولا أن نصلح شأن بيتنا في الداخل ونؤسس قوتنا التي نهدرها في القتال فيما بيننا.

ومنذ احتلال إسرائيل لفلسطين ونحن نشتري أكثر الأسلحة الفتاكة تطوراً وندفع ثمناً لها مليارات الدولارات ومع هذا لم تطلق ولا دولة عربية واحدة رصاصة باتجاه إسرائيل منذ حرب أكتوبر.

ومعظم هذه الأسلحة تم شراؤها لحماية حدودها من جيرانها الذين هم من ملتها ولغتها ودمها! فلم نعد نخيف فأراً ولا نردع أرنباً. ويأتينا بعد ذلك جاهل ليفجر طنجرة في أحد شوارع بوسطن ليقتل أناساً لم يكونوا سبباً في تخلف بلداننا متفاخراً بأنه إنما ينتقم للإسلام!

عندما نريد أن نلقن أعداء الإسلام درسا فإنه يجب علينا أولًا أن نملك صناعة تتفوق على صناعته وسلاحاً يغلب سلاحه، وقوة تشل قوته وإعلاماً يسكت أبواقه واقتصاداً يهزم اقتصاده وليس من خلال قطع رأس جندي يمشي في شوارع مدينته ولم يطلق رصاصة واحدة ضد المسلمين.

 ومن يعلم؟ فلربما كان في طريقه إلى أحد المساجد لإشهار إسلامه! هل يعلم هذا الفرد أن بريطانيا تضم مئات الآلاف من المسلمين ممن فروا من أوطانهم المسلمة خشية من بطش ساسته المسلمين؟

ثم يا ترى؟ لماذا لا ننتقم أيضاً من المسلمين الذين يقتلون المسلمين في بلدان المسلمين باسم المسلمين؟

حتى طريقتنا في الانتقام خاطئة وتكشف عن جهلنا الذريع بالشريعة والدين وبقيم الإسلام وبكيفية الرد. وللأسف هناك من المتطرفين من الجالسين في بيوتهم يحتسون القهوة ويحرضون الشباب إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم التي تسيء إلى رسالة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، وإلى تاريخ الإسلام وإلى المسلمين دون أن يكون لديهم تفويض بذلك بينما هم أنفسهم يعيشون يومهم على صناعات الغرب بدءاً من الطائرة النفاثة إلى السيارة إلى عود الثقاب وانتهاء بطنجرة الضغط.

وهل للحديث بقية؟؟

Email