من المسؤول؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

جسم الإنسان فيه كثير من العجائب والغرائب اللامتناهية. منظومة متكاملة، لا يزال العلم يكتشف فيها الجديد كل يوم. إحدى أهم مكونات هذه المنظومة، هي عملية الالتهاب.

يقول قانون نيوتن الثالث: "لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه". لكن في جسم الإنسان، ما هو الفعل وما هو رد الفعل؟

إصابة خلايا جسم الإنسان وموتها هي الفعل، وأسباب هذا الفعل كثيرة، مثل الجراثيم (عدوى البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات)، والمواد الكيميائية، والحوادث الميكانيكية من الخدوش والسقوط والكدمات، وغيرها من الظروف التي تسبب موت الخلية.

عند موت الخلية تتسرب مواد خاصة وتنطلق مباشرة للدماغ طالبة النجدة. هنا ينطلق جرس الإنذار ويبدأ رد الفعل، حسب قانون نيوتن الثالث، انتفاخ في الشرايين، زيادة في تدفق الدم للمنطقة المنكوبة، تجمع لخلايا الدفاع البيضاء، رفع الجسم لحرارته، وطبعاً الإحساس بالألم. مجموع ردات الفعل المذكورة، هو ما يعرف بـ "الالتهاب".

اللطيف في الأمر، أن بعض ردات الفعل يتمحور في مناطق معينة. السعال، ردة فعل لطرد الجراثيم والأجسام الغريبة، يتمركز في الصدر. الاستفراغ يتمركز في المعدة، الدموع تتمركز في العيون. سيمفونية دفاعية تتراقص، للحفاظ على الجسم وأعضائه من كل شر ومكروه.

يقول المثل: "حاميها حراميها". للأسف في حالات ليست قليلة، تكون ردة فعل الجسم الدفاعية هي السبب في سرقة الروح والحياة من الجسد. الربو عبارة عن رد فعل "التهاب"، تضيق فيه القصبات الهوائية لمنع دخول أي عدوى، إلى درجة إغلاق القصبة بشكل كامل وتوقف التنفس. الحساسية الحادة عند بعض الناس الناتجة عن لسعة النحلة أو عضة نملة أو تناول طعام ما، عبارة عن رد فعل هائج يحدث فية تسونامي من إفراز المواد الدفاعية، وتتوسع الشرايين وتحدث حكة جلد عامة، ويغلق مجرى التنفس بشكل كامل.

بالفعل، جسم الإنسان عجيب غريب. عملية الالتهاب الدفاعية هي التي تنقلب في لحظات وتكون المسؤولة عن النهاية الحزينة. لكن بفضل الاكتشافات العلمية، تبين أنه في هذه الحالات الحادة، هناك مادة تسمى "الأدرينالين" إذا أعطيت خلال دقائق من حدوث الحالة تسطيع إنقاذ المصاب من الموت. ومن الممكن تعليم المصاب كيفية أخذ الحقنة بنفسه. إذن، هل جسمك لديه ردات الفعل الحادة هذه؟

أما بالنسبة لرادت الفعل المزمنة، فهناك مجموعة من الأمراض تسمى بـ "ذاتية المناعة"، ضربت بقانون نيوتن عرض الحائط. فهي تقوم بعملية رد الفعل أو "الالتهاب" بشكل مزمن، دون الحاجة لوجود فعل من العدوى أو الإصابة. بمعنى آخر ودون موت أي خلية في الجسم، يقوم الجهاز المناعي من سباته دون سابق إنذار.

ويدفع بمجموعة كبيرة من الخلايا البيضاء الدفاعية لمهاجمة مناطق معينة في جسم الإنسان، أشهرها المفاصل. هناك تقوم خلايا الدفاع بتدمير المفصل على مدى سنوات، مسببة مرض الروماتزم المزمن الشهير. وهناك قائمة طويلة بهذه الفئة من الأمراض، لا يسعني ذكرها.

يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "اطلبوا العلم ولو في الصين". نتيجة لطلب العلم المستمر من قبل الإنسان، تم التوصل لمادة تستطيع كبح جماح النظام الدفاعي الهائج وترويضه، للسيطرة على الأمراض المذكورة، وهي هرمون "الكورتيزون". صحيح أن الكورتيزون اكتسب سمعة سيئة جداً بسبب آثاره السلبية ومضاعفاته.

لكنه هو الوحيد الذي يستطيع إيقاف الجهاز المناعي من زحفه المجنون. لهذا، تكون الجرعات محسوبة، وتعطى بشكل دقيق، للموازنة بين الأثر الإيجابي لها وبين مضاعفاتها. واللافت في الأمر أن جسم الإنسان يفرز داخلياً الكورتيزون بشكل يومي، لكن بكميات لا تكفي للسيطرة على الأمراض ذاتية المناعة.

إذن، هناك الالتهاب الحاد، وهناك المزمن. سبب الأول عوامل خارجية من عدوى جرثومية وكيميائية، وسبب الثاني عوامل داخلية من اختلالات في تواصل الجسم مع بعضه.

فمن المسؤول عن حدوث الالتهاب ومرفقاته من الحمى والألم والانتفاخ؟ بيئتنا أم نحن؟..

 

Email