الغرور الوظيفي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الغرور وما أدراك و أدراني ما الغرور، سبب كل الشرور ولا يزيد في الأجور ، أهم أسبابه استشراف الدنيا وحب الذات حتى على حساب العباد. فلا مصلحة عامة نظر ولا مسؤوليات وظيفية عنده تُعتبر ولا يرى غير نفسه مركز الكون.

جاء في محكم التنزيل كتاب رب العالمين بخمسة مواضع عن الغرور فقال أعز من قائل؛ { وَما لْحَيَاةُ لدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } أي تَغرّ المؤمنَ وتَخدَعُه فَيظُن طول البقاء وهي فانية. وجاء { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِللَّهِ لْغَرُورُ } وهو الشيطان في قول مجاهد وغيره، وهو الذي يغرّ الخلق ويمنّيهم الدنيا ويلهيهم عن الآخرة، وعن سعيد بن جبير، قال: الغرور بالله أن يكون الإنسان يعمل بالمعاصي ثم يتمنّى على الله المغفرة.

أما من السنة روى الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود، رضي الله عنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن النور إذا دخل الصدر انفسح» فقيل: يا رسول الله هل لذلك من علم يعرف؟ قال: «نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله».

نجد من الكتاب والسنة أن الغرور محل كل ذم ومكان كل قبيح، فصاحب الغرور حرم نفسه وغيره الخير. بداية بالنظرة فهو ينظر إلى نفسه نظرة الكمال والناس نظرة استصغار وعادة ما ينتهي بالكبر، فهذه الشخصيات لا تعمل إلا في محيط نفسها وفهمها وما يناسبها فقط. فتجد هنا أحد أهم مصادر الإستنزاف لموارد الشركات هو الغرور الوظيفي عند كبار الموظفين وصغار الموظفين على حد سواء، فالموظف المغرور مهما كانت القرارات خاطئة يتمادى ويكلف المؤسسة الكثير فقط لإرضاء غروره.

عندما يصل الشخص إلى درجات عالية من الغرور واستشراف للمنصب تجد العجائب، فالنفس تجعله رغم طول خبرته ورقي منصبه يتصرف مثل الأطفال فتجلس مندهشا وتقول كم جعلته نفسه صغيرا غريباً. لأن أحد أكبر المشاكل أَنصاف المتعلمين الذين ظنوا أنهم ملكوا العلم فتربع الغرور في قلوبهم، فلا هم سكتوا حتى يتعلموا ولا فهموا حتى يتكلموا .

هذه الشخصيات لها منطق زائف وفهم تالف، لا يدركون أبعاد ما يقولون ولا ما يفعلون فقل ما يستشيرون، فكل شيء عندهم سطحي وشكلي فلا يهتمون بالمؤسسة أكثر من ما ممكن أن يضمن لهم وظيفتهم واستفادتهم. لهذا نجد ضرورة اقتصادية لعامل العنصر البشري واكتمال القيم فيها من علم وتهذيب ودين وهذا يجعل من الشخص معتدلا بعيدا عن كثير من هذه العلل.

قال أهل العلم كمال البشرية خُلُقاً وخَلْقاً كانت في سيدنا محمد خاتم الانبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، وبه أقام الله الحجة على هذا الجنس البشري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، رواه مالك في الموطأ. لأنه لو كان من غير البشر لما أمكن المقارنة، فلا يقارن الإنسان بالملائكة والجن والحجر والشجر لعدم توحد وتساوي الصفات.

لكن إذا صلح ابن آدم كان فوق مقام الكل حتى الملائكة لصعوبة المجاهدة في طريق الوصول إلى هذا الكمال والتمام النوري. فنجد كيف تقدم رسول الله عليه الصلاة والسلام في سدرة المنتهى بينما تأخر جبريل رئيس الملائكة و أمين الوحي، فهذا مقام لم يدركه أحد غير إمام الرسل صلى الله عليه وسلم.

الاعتدال والوسطية جوهر ديننا، فهذا مفتاح السعادة والاعتدال، فلا استشراف للدنيا يجعلك تعادي كل من حولك وينتهي بك في أحد مقامات الغرور، ولا انهزامية وسقوط المبادئ أمام المادة تجعلك ذليلا تنتهي في أحد مقامات العبودية للدينار والدرهم .

ختاما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد) رواه مسلم. و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء) رواه مسلم.

 

 

Email