الدروس الإسرائيلية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الكل يتعلم من أخطائه إلا نحن. ومنذ عقود وإسرائيل تعلمنا يوميا نظرية الصواب والخطأ بشكل عملي ونحن إما صم أو بكم أو عمي. المصيبة أننا لسنا صما، لأننا نسمع دبيب النمل. ولا بكما، لأننا نشجب يوميا. ولا عمي، والدليل أنه لا يوجد بيت عربي إلا وبه أكثر من جهاز تلفاز. فهل نعاني من عدم الإحساس؟

إسرائيل لم تكن في يوم من الأيام نقمة على العرب وإنما نعمة من عند الله كالألم في الجسد. عندما تشكل هذا الكيان في 1948 وما قبله، كانت الأمة العربية والإسلامية تعيش في الظلام الدامس. وكان الإنسان العربي يأكل وينام دون أن يلتفت إلى غده. وإذا بإسرائيل تحولت من لا شيء إلى دولة متقدمة. ولم نحاول أن نجاريها في تطورها.

ومثال آخر، كيف استطاعت الدول الأوروبية وفي سرعة فائقة أن تتعافى وتعيد بناء ما هدمته الحربان العالميتان، وتضمد جراحها وتتحد رغم كل ما خلفته تلك الحروب من دمار بشري ومادي، ومن قيامهم بهجوم شرس على الموارد الطبيعية التي تزخر بها الدول العربية والإسلامية بغرض أن تمد مصانعها بما يلزم.

ورغم كل الحواس الست التي سيحاسبنا الله عليها يوم الحشر، إلا أننا ظللنا نقاد كما يقاد الجمل وننظر إلى الآخرين دون أن تتأثر أحاسيسنا إلا ضد أنفسنا عندما نتحدث عن الفرق المذهبية. ولم نتعلم كيف ننهض من نومة أهل الكهف كما فعلت إسرائيل في بناء نفسها وكما فعل الأوروبيون فاتحدوا رغم تباينهم الثقافي وصراعهم على المصالح.

وقامت دولة إسرائيل ليس نتيجة مؤامرة ضد العرب والمسلمين كما كنا نلقن أبناءنا وإنما لتهيئة الجو لمراحل قادمة من الاستغلال المادي من خلال إثارة الخلافات الطائفية وبيع الأسلحة الفتاكة ومن غسيل الأدمغة كما نراه يحدث اليوم على شاشات التلفزة من خلال برامج لا تنتج سوى المهمشين. كان العرب وقتها مختلفين ومتخلفين.

كنا متخلفين ثقافيا وصناعيا واجتماعيا وعلميا. وما زلنا. وكنا مختلفين سياسيا ودينيا وجغرافيا وتاريخيا وعرقيا. وما زلنا. وها نحن وبعد مرور 97 عاما على وعد بلفور مازلنا لا نسمع ولا نرى ولا نتكلم ولا نشم ولا نشعر وأخشى أن أقول : لا نعقل.

الضربة الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي السورية كانت صدمة أخرى استفاق العرب عليها فجأة وشعروا بالحنين إلى أيام الشعارات والتهديدات الجوفاء ونسوا نظام الأسد كما نسوا نظام صدام ظنا منهم أن الوضع هو هو كما كان عليه قبل الثورة فانطلقوا خطبا رنانة وشجبا واستنكارا ورفعوا قبضاتهم في الهواء بالوعيد لإسرائيل. ثم سرعان ما عادوا فناموا من جديد. وإسرائيل تتمنى أن يصحو العرب قليلا، فقد ملت هؤلاء الجيران الغارقين في سبات طويل ولا يجدون من يلهون به.

بعد كل ما قرأناه في الصحف من مواقف الدول العربية سواء تجاه النظام السوري أو بكائهم على دماء الأطفال، لم نكن نتوقع ردة الفعل هذه. وفي كل مرة نمني أنفسنا بأن الأمة العربية صحت من نومها وبدأت تكشف حقيقة الأهداف الصهيونية والتي حفظناها عن ظهر قلب منذ مراحل الابتدائية. وفي كل مرة نحبط بعودة أبو زيد وكأنه لم يشجب.

الدول العربية ومنها دول الربيع العربي تعلم جيدا أنها لم ولن تفعل شيئا تجاه دولة إسرائيل مادامت هذه الأخيرة هي من يملي قرارات أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وهذه وتلك حولت الشرق الأوسط العربي إلى قطع متفرقة متحاربة تسودها الفوضى وبعضها محكومة من قبل أنظمة تشدنا إلى عادات العصور الوسطى. وفي الجانب الآخر، ولتجنب تكاليف الحروب الباهظة، صنعت منا إسرائيل أراجوزات صغيرة تحارب بعضها بعضا حتى تقضي على نفسها.

فهنيئا لهم ولنا.

 

Email