إسلام ومسلمون

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالطبع، لا يعرف مئات الملايين من سكان الولايات المتحدة سوى القليل عن الإسلام، وهو القليل الشائع في الثقافة الشعبية الغربية، منذ اندلاع الحروب الصليبية في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، لكن قطعاً هم يعرفون الأخوين "تسارناييف" المتهمين بتنفيذ تفجيرات بوسطن، التي راح ضحيتها ثلاثة قتلى وأكثر من مئة وسبعين مصاباً.

وهذه المعرفة تعمق الصورة الذهنية السلبية المتوارثة في هذه الثقافة الشعبية، وتسمح بتمددها إلى ثقافة شعوب أخرى.

ولم يكن غريباً أن تتكاثر التصريحات المعادية للإسلام والمسلمين، حتى تمادت الأميركية آن كولتر، وهي يمينية متعصبة، وقالت: "إن وجود المهاجرين القادمين من بلاد نشؤوا فيها تحت حكم الشريعة الإسلامية، يمثّل بالتأكيد خطراً"، وهي عبارة سيئة تربط الشريعة الإسلامية قسراً وظلماً بالعنف!

لكن، لو تمعنا في عبارتها وتساءلنا عن أسبابها دون انفعال ودون غضب، قد نفهم دوافعها دون أن نبررها، فالعالم الآخر في الغالب لا يتعرف إلى الإسلام إلا من أحوال المسلمين وأساليب معيشتهم وأنماط تصرفاتهم، فالآخر لا يقرأ "العربية" لغة القرآن، ولا يستطيع التواصل المباشر مع تعاليمه ومبادئه وجوهر دعوته.

وقد قال الأخ الأصغر جوهر تسارناييف، المقبوض عليه: إن عملية بوسطن هي دفاع عن الإسلام، ورد على الاعتداءات الأميركية على أفغانستان والعراق.

وهي عبارة مطاطة، ومن حق من يسمعها أن يسأل عن هذا الدين، الذي يفجر بعض أتباعه القنابل في المدنيين الأبرياء! أي أن الأخوين تسارناييف قد ظلما دينهما أكثر مما ظلمته "كولتر"، فكيف تكون جرائم القتل غيلة دفاعاً عن الإسلام؟! لكن قطعاً لا علاقة للإسلام بما يفعله المسلمون، سواء كانت أفعالهم في منتهى السمو أو الانحطاط، في غاية التقوى أو الفجور، فأي دين هو حجة على المؤمنين به، وليس العكس.

وهذا مربط الفرس، أو أزمة الغرب مع الإسلام، فالغرب يأخذ الإسلام بأعمال قلة من المسلمين، ويفرط في الإساءة إليه، ويحمله مسؤولية العنف.

وعلى الضفة الأخرى، تقف الثقافة الشرقية تدرأ عن نفسها مثالب العنف، وتقسم بأغلظ الأيمان أن دينها الحنيف بريء مما يرتكبه بعض المسلمين من جرائم إرهابية.. ويظل كل طرف متمسكاً بموقفه، دون أن يسألا سؤالاً بديهياً: كيف يمكن القضاء على ظاهرة الإرهاب، دون أن يتوصل المجتمع الدولي بشرقه وغربه إلى مفاهيم متفق عليها، تفسر وتحلل هذه الظاهرة تحليلاً صحيحاً؟! ويرجع أغلب الغربيين من مفكرين وأساتذة جامعات وخبراء في الأمم المتحدة، أسباب الإرهاب إلي الفقر في العالم الإسلامي، وسوء التعليم وغياب الديمقراطية.. وهي وصفة محفوظة منذ ظهور جماعات الإسلام السياسي في السبعينيات من القرن الماضي! فهل هذا صحيح؟ في الظاهر يبدو الأمر كذلك..

لكن لو تعمقنا قليلاً، فقد نكتشف شيئاً مخالفاً، فالعالم الإسلامي منذ قرون وهو أكثر الشعوب فقراً، وأقلها حرية وتعليماً وديمقراطية، ولم يكن إرهابياً بالمرة، بل كان الإرهاب في ذلك الوقت يمارسه الغرب بكل أنواعه: دولاً وجماعات، دول قوية تحتل دولاً مغلوبة علي أمرها، وجماعات تشكل منظمات إرهابية داخلية، مثل كلوكس كلان في أميركا، بادر ماينهوف في ألمانيا الغربية، الألوية الحمراء في إيطاليا، الجيش الجمهوري في بريطانيا، والجيش الأحمر في اليابان..

وهي دول غنية فيها حرية وديمقراطية وتعليم جيد! إذن، ماذا حدث؟! نحن أمام نوعين من الإرهاب، إرهاب محلي لم يهتم به الغرب مطلقاً، وطال دولاً شرقية كثيرة، كما حدث في مصر والجزائر... إلخ، وإرهاب عابر للقارات، وهو الإرهاب المنشغل به الغرب حالياً، ويريد أن يجد له حلاً يريحه من مخاطره..

المدهش أن الإرهاب الديني العابر للقارات هو صناعة أميركية في الأصل، حين حشدت المخابرات المركزية شباب المسلمين المتشدد، وشحنتهم إلى أفغانستان ليقاتلوا الاتحاد السوفييتي السابق، خارج بيئتهم لأول مرة، وكان الاتحاد السوفييتي الملحد، يمثل في رأي هؤلاء الشباب خطراً على الإسلام والمسلمين! وبسقوط الاتحاد السوفييتي، غيّر الإرهابيون البوصلة إلى الغرب، حين أصبح في رأيهم هو الخطر على الإسلام والمسلمين.

وأول من أشاع فكرة العدو الأخضر عن الإسلام، هو الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه الشهير ("seize the moment" اغتنم الفرصة) في الفصل السادس منه، ليأخذه الغربيون عنصراً مستفزاً للحضارة الغربية، حتى لا تسترخي وتميل إلى الدعة والسكون فتنهار، وأول من نشر فكرة صدام الحضارات هو المفكر الغربي صمويل هانتغتون في كتابه الشهير، وكان العالم قبلها يتحدث عن تكامل الحضارات.

وهذا الصدام يتجسد الآن على أرض الواقع.. وإذا ظلت هذه المفاهيم سائدة، فلن يختفي الأخوان تسارناييف ولا غيرهما!

Email