مرض بدون اسم

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصابني تردد قبل أن أقرر الكتابة اليوم، وقد ينتهي بي المطاف بمجموعة انتقادات عن سبب اختيار صاحبنا عن غيره. لكن ليست لدي حيلة، فكل محاولات الإخفاء فشلت، وجميع أساليب القمع تهاوت. لا يذكر اسم المرض، لكنه موجود ويزداد حضورا من بيت لآخر.

تاريخيا, يعود تدوين مرض السرطان إلى 3000 سنة قبل الميلاد عند الحضارة المصرية، لكن اكتشاف الأنواع المختلفة وتسمية المرض، تمت في عصر الإغريقيين نسبة إلى الحيوان المائي "سرطان البحر"، حيث يتشابه الاثنان في الحركة والانتشار بسرعة في اتجاهات وأماكن كثيرة.

الصراع بين العقل والعاطفة أزلي، لكن في مجتمعاتنا وفي معركة الإنسان مع السرطان، تغلب العاطفة. لا نتحدث عنه، فمن الممكن إصابتنا به بمجرد ذكره! البعض لا يفحص أبدا لكي لا يعرف، والبعض يلف الدنيا ويعمل ما لذ وطاب من الفحوصات إلى درجة الوسواس. العقل يطلب التأني وبحث الأسباب.

لكن العاطفة تمنع ذلك بشتى الطرق. العقل يطلب الشفافية في التعامل، وفي المقابل العاطفة تكتم الموضوع عن العائلة، فلا يشارك المصاب عائلته وعياله، وسبب ذلك عدم إخافتهم من الموت الحتمي، متناسين قوة الإيمان وتطور العلم في هذا المجال.

في هذا العصر أصبحت الوراثة هي الشماعة التي نعلق عليها سبب معظم، إن لم يكن كل، أسباب أمراض العصر. لكن السبب الرئيس للإصابة بالسرطان، هو البيئة المحيطة بنا، وتأتي الوراثة في ذيل القائمة. على سبيل المثال لا الحصر؛ عند التعرض لمكونات دخان التبغ, أو الكحول, أو الأكل الغني بالمواد المصنعة، أو الاسبستوس, أو الأشعة، يتعرض بعض خلايا الجسم لإصابة أهم جزء فيها "الجينات"، عبر آلية غير معروفة بشكل كامل، فتجعل البعض يصاب من أول تعرض والآخر يحتاج لسنوات للإصابة بالسرطان.

يحدث تشوه في تركيبة الجينات داخل الخلايا المصابة. هذا التشوه يحول الخلية إلى مارد متوحش، يبدأ في الاستيلاء على طعام الخلايا المجاورة، ومن ثم يقضي عليها. هذا الهيجان الكاسح يجعل الخلية تكون نسخا إضافية مشوهة، والتي بدورها تغزو مناطق أخرى في الجسم آكلة "الأخضر واليابس". فيلم رعب لا يتمنى أي منا معايشته، لكن الواقع يحتم علينا الأخذ بالأسباب.

الخبر الجيد هو أنه ليست كل أنواع السرطان متوحشة بالطريقة المذكورة، فهناك أنواع بطيئة النمو، وهناك أنواع لا تنتقل إلى مواقع أخرى، وهناك أنواع يمكن اكتشافها في مراحل مبكرة جدا. ولحسن الحظ، إن صح التعبير، فإن أكثر الأنواع انتشارا هي التي يمكن الكشف عنها مبكرا بالفحوصات الوقائية، وهي أورام الثدي وعنق الرحم والقولون.

لن أدخل في تفاصيل الفحوصات، لكن هنا العقل يذهب في اتجاه الفحص الدوري عند الطبيب، أما العاطفة فتذهب نحو التسويف والتأجيل.. في النهاية أنت صاحب الاختيار!

أما عن الوقاية من حدوث المرض بشكل كامل، فالكثير من الدراسات أكدت إمكانية ذلك، لكن بشرط توفر عنصر مهم جدا في الفرد وهو قوة الإرادة. عدم التدخين يحتاج إلى قوة إرادة، انتقاء الأكل المناسب يحتاج إلى إرادة، وغيرها من المسببات البيئية. طبعا بعض الأسباب، مثل التعرض للأشعة المبالغ فيه والملوثات الجوية، لا يمكن التحكم فيه، وهو ضريبة العصر الذي نعيشه.

في خضم كل هذا نسينا نقطة جوهرية؛ الإصابة بالمرض بعد أخذ أسباب الحيطة والحذر، هي بإرادة الله سبحانه وتعالى. واليقين أن كل ما يصيب الفرد هو خير، وبعون الله امتداد لهذه الإرادة والإيمان به جل وعلا. المتابع لقصص وتجارب المصابين يرى عكس ذلك: خوف, جزع, هلع.. وفي مجتمعات أخرى نرى قناعة, رضى, عمل الخير, واليقين المطلق. تكرار لسيناريو غلبة العاطفة على العقل.

العاطفة ليست خطأ، بل مهمة جدا وكثير من الحالات شفيت بسبب الجانب العاطفي في المعادلة، لكن "كل شي إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده". التحلي بالطاقة الإيجابية وعدم التضخيم والإيمان المطلق به عز وجل، ممزوجا بالحلول العلمية والعلاجات الحديثة، كفيل بخروج الشخص منتصرا في جميع الأحوال إن شاء الله. لكن سيبقى المرض "بدون اسم"، ينتظر ذلك اليوم الذي سيغلب العقل فيه العاطفة.. حينئذ سيسارع في إعادة هويته المفقودة!

 

Email