استقالة فياض.. الأسباب والتداعيات

ت + ت - الحجم الطبيعي

تكثر التكهنات في الساحة السياسية الفلسطينية، بشأن ماهية الحكومة التي ستخلف حكومة الدكتور سلام فياض، الذي قبل الرئيس محمود عباس استقالته، وكلفه بمواصلة تسيير الأعمال إلى أن يتم تشكيل حكومة جديدة.

اثنا عشر فصيلاً فلسطينياً وضعت استقالة حكومة فياض في سياق رغبوي، حيث اعتبروها فرصة ينبغي على حركة حماس أن تقابلها بخطوة مماثلة تتعلق بحكومتها في غزة، بما يفتح الأفق أمام تشكيل حكومة الوفاق الوطني الموعودة، التي نص عليها اتفاق المصالحة.

الفصائل الإثني عشر، التي قوبلت دعوتها بدعم من قيادات فصائلية وسياسية في الضفة، تدرك كما تدرك حركة حماس أيضاً، أن استقالة حكومة فياض لم تأت في سياق التمهيد لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، ذلك أن فياض وحكومته لم يشكلا يوماً عقبة أمام تشكيل حكومة وفاق وطني، فضلاً عن أن الاستقالة جاءت على خلفية أسباب ودوافع أخرى لا تتصل بملف المصالحة.

غير أن إدراك الفصائل للأسباب الحقيقة التي دفعت فياض للاستقالة، لم يثنها عن المطالبة بتشكيل حكومة الوفاق الوطني، خاصة وأن لجنة الانتخابات المركزية قد أنهت منذ وقت، مهمتها في تجديد السجل الانتخابي في كل الأراضي المحتلة، وسلمت تقريرها لكل المستويات السياسية في السلطة والمنظمة.

واقعياً فإن الاستقالة جاءت على خلفية خلاف ظاهر حول الصلاحيات، بين الرئيس محمود عباس ورئيس حكومته الدكتور فياض، لم يجدا لها حلاً سوى باستقالة فياض. نشبت الأزمة بين الرجلين المنسجمين في العمل والسياسة مع بعضهما، حين قبل رئيس الحكومة استقالة وزير المالية الدكتور نبيل قسيس، التي قدمها في الثاني من مارس المنصرم، بينما رفضها الرئيس محمود عباس، وكان من غير الممكن الاحتكام إلى النظام الأساسي (الدستور المؤقت)، لأنه لا يتضمن معالجات واضحة لمثل هذا الخلاف.

حركة فتح التي لم تتوقف عن توجيه انتقاداتها لحكومة فياض، صعدت انتقاداتها حين أصدر مجلسها الثوري بياناً علنياً يطالب رئيس الحكومة بالاستقالة، ولم تكن تلك المطالبة مستندة إلى معالجة أزمة الخلاف حول الصلاحيات بين الرئيس ورئيس حكومته.

غير أن الخلاف بين الرئيس وفياض لم يكن سوى القشة التي قصمت ظهر بعير التحالف القوي بينهما، إذ حان الوقت لحركة فتح لكي تمارس مسؤوليتها مباشرةً عن النظام السياسي، بعد أن قامت حكومة فياض بالمهام الصعبة التي كان على الحركة أن تتحملها بعد وقوع الانقسام الفلسطيني في يونيو 2007، الذي أدى إلى وجود حكومتين، واحدة في قطاع غزة والأخرى في الضفة الغربية.

كان على حكومة فياض منذ بداية تشكيلها أن تعالج الأوضاع الاقتصادية والمالية المتردية للسلطة، إثر الحصار الذي فرضته القوى الدولية على الحكومة العاشرة التي شكلها إسماعيل هنية، بعد فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي. وكان على حكومة فياض أن تعالج التبعيات السياسية والاقتصادية والقانونية الناجمة عن الانقسام، وأن تعالج أيضاً ظاهرة الفلتان الأمني الذي كان يستشري في مدن الضفة الغربية.

على أن فياض الذي أولاه الرئيس عباس الثقة، ونجح في التصدي لهذه الملفات، لم تتوقف طموحاته عند هذا الحد، بل إنه خلال السنوات الست الماضية، نجح في محاصرة ظاهرة الفساد، وكرس مفهوم المؤسسة والشفافية في العمل، واعتمد رؤية تقوم على أولوية بناء مؤسسات الدولة على الأرض، كأساس لتتويج ذلك بفرضها سياسياً.

بعد هذه المرحلة الطويلة من العمل المضني لحكومة فياض، بات الوقت مناسباً لحركة فتح لاسترداد الحكومة، باعتبارها حقاً للحزب الحاكم، خاصة وأن السلطة تجاوزت الأزمة المالية الخطيرة التي مرت بها خلال الأشهر السابقة، حين قررت الإدارة الأميركية الإفراج عن 700 مليون دولار لصالح خزينة السلطة، مما فتح الطريق أمام الإفراج عن مستحقات السلطة المالية التي احتجزتها إسرائيل. وسياسياً لم يعد فياض المدخل الإجباري أو الضروري لتواصل السلطة مع المجتمع الدولي، الذي أثنى على دور فياض وحكومته.

الدعم الأوروبي- الأميركي لفياض، كان أكثر من واضح وعلني خلال زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي كان يذكر اسم فياض كلما جاء على ذكر الرئيس محمود عباس، ولاحقاً حين طلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري من الرئيس عباس الاحتفاظ برئيس حكومته المستقيل.

هذا القبول الدولي لفياض، جعله عرضة لاتهامات الخصوم من كل طرف، لكنه أيضاً كان سبباً أساسياً من بين أسباب أخرى، لإصراره على الاستقالة، من باب الدفاع عن وطنيته.

ومن ناحية أخرى، كان في وسع المنتقدين لفياض وحكومته، أن يعلنوا رفضهم التدخل الأميركي والخارجي في الشؤون الداخلية الفلسطينية، وأن يصعدوا من اتهاماتهم لفياض.

الظروف باتت مهيأة للإطاحة بحكومة سلام فياض، التي استمرت لحوالي سبع سنوات، رغم أن فياض كان على وفاق وانسجام سياسي مع الرئيس عباس، الذي أصبح بإمكانه الاستغناء ولو مؤقتاً عن رئيس حكومته، باعتباره صاحب القرار السياسي، وليس فياض، المطلوب للتعاطي مع المساعي الأميركية الأخيرة، لاستئناف المفاوضات والعملية السياسية.

هذا هو أصل القضية وفرعها، وهي بعيدة كل البعد عن موضوع المصالحة، الذي لا يزال حبيس الأدراج والتطورات السياسية، التي يتأكد معها يوماً بعد الآخر، أن الإرادة الفلسطينية لا تزال غير متوفرة بالقدر الكافي لتجاوز الفيتو الإسرائيلي، المدعوم بفيتو أميركي وبوقائع على الأرض ترسخ وتعمق الانقسام، وتقوي أصحاب المصالح والبرامج الفصائلية الذين يقاومون مثل هذه المصالحة.

ويبدو أن ملف المصالحة، كما ملفات أخرى سياسية، سيظل مؤجلاً في انتظار ما تسفر عنه محاولات بعض الأطراف الإقليمية والعربية، لإقناع حركة حماس، أو الضغط عليها، لقبول مبدأ الانتقال إلى مربع التسوية، أو التعهد بعدم معارضتها وإفسادها، الأمر الذي تراهن عليه الدول المعنية، خصوصاً بعد إعادة انتخاب مشعل رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس، والذي يوصف بأنه عنوان اعتدال سياسي.

Email