الحال الاقتصادي السوري

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشير دراسات هيئات الأمم المتحدة المختصة، وخاصة لجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا (الإسكوا)، والمركز العربي للدراسات، ومراكز دراسات أخرى ذات علاقة بما فيها مؤتمر الشراكة من أجل سوريا، إلى أن سوريا تحتاج، حتى الآن، إلى مبلغ يتراوح بين 48 و60 مليار دولار لإعادة البناء، وإلى مدة تطاول 25 عاماً، حتى تعود كما كانت قبل بدء الأحداث.

ويوزع هذا المبلغ كما يلي: 35% للبناء والتشييد، و25% للبنية التحتية و10% للمشاريع الزراعية ومثلها للمشاريع الصناعية، و20% للسياحة والمواصلات والنقل، ولعل هذه الأرقام تدل على حجم الكارثة التي حلت بسوريا.

لقد دُمر معظم المصانع خلال الأحداث، أو نقل إلى الدول المجاورة. والأمر لا يختلف في مجال الزراعة، حيث يستحيل العمل في المزارع في أكثر مناطق سوريا، بسبب القصف والصراع العسكري، مما خفض مستوى الإنتاج الزراعي إلى أرقام متدنية جداً.

وعلى الجانب المالي، تضخمت الليرة السورية بعد أن طبعت الدولة من العملة، بمعاونة روسيا، أربعة أضعاف ما كانت تطبعه سنوياً قبل الأحداث، فانخفض سعر الليرة من 45 لكل دولار إلى 110 ليرات، وأدى هذا التضخم إلى غلاء الأسعار فارتفعت بنسبة الضعف أو الضعفين، أما السلع المستوردة فصارت أسعارها خيالية.

إضافة إلى أن نسبة البطالة في سوريا، ارتفعت على الأقل من 22% قبل الأحداث، إلى 60% في نهاية عام 2012، بعد أن أُغلق معظم المنشآت الصناعية والخدمية والتجارية الخاصة وتوقفت عن العمل واستغنت عن عمالها. وفُقدت المواد من السوق، وخاصة مشتقات الطاقة وارتفعت أسعارها إلى ستة أضعاف أحيانا، كما هو حال الغاز والمازوت ووقود السيارات الذي صار يباع في السوق السوداء بثلاثة أضعاف سعره المسمى.

أما نسبة الفقر في سوريا التي كانت قبل الأحداث تصل إلى 30%، فقد أصبحت الآن تزيد عن 60%، وقد مدت الحكومة السورية يدها إلى احتياطي العملة الصعبة، فانخفض هذا الاحتياطي من 18 مليار دولار إلى 2 مليار دولار فقط خلال سنتي الأحداث، ولولا الدعم متعدد الجوانب؛ الإيراني والعراقي، لأعلنت الحكومة السورية إفلاسها.

ونتيجة هذا الواقع يقدر الاختصاصيون أن سوريا ستواجه مزيداً من الصعوبات والتدهور الاقتصادي في الفترة القادمة، ويتوقعون أنه إذا لم تنته الأحداث حتى نهاية العام الحالي، فسيكون الحال الاقتصادي السوري خطراً جداً، وربما ستكون الدولة بكاملها معرضة للإفلاس. لقد زادت العقوبات الدولية من هشاشة الاقتصاد السوري، بحيث أثر ذلك بشكل ملحوظ.

كما تقول الهيئة العربية للدراسات، على الميزان التجاري السوري، بسبب قلة الصادرات وخاصة النفطية منها، مما دفع الحكومة السورية إلى البحث عن أسواق أخرى. فقد كانت تستوعب أسواق الدول العربية والأوروبية نسبة 90% من حجم الصادرات السورية قبل الأحداث وخسرتها جميعها تقريباً، وحاولت التعويض جزئياً عن خسارة هذه الأسواق بزيادة حجم الصادرات إلى لبنان والعراق، دون أن تحقق نتائج كبيرة.

من جهة أخرى، تتلقى الحكومة السورية دعماً ماليًا خارجيًا من الدول المساندة لها (كإيران والعراق وغيرهما)، ولعل هذا هو أحد أهم عوامل صمود النظام السوري حتى الآن، رغم التدهور في جميع جوانب الاقتصاد. وقد ساعد هذا الدعم تمويل احتياجات النظام من الأسلحة الروسية، والتعويض النسبي عن تدمير مكونات الاقتصاد السوري.

من المستغرب أن هذه الأوضاع الاقتصادية المأساوية التي تفقأ العين، لا تراها السلطة السورية، كما لا تهتم بها الدول الأخرى وهيئات الأمم المتحدة المتخصصة، ومن البديهي أنها إذا استمرت ستحول الشعب السوري إلى ملايين من المتسولين، في منطقة تعاني كل الدول فيها من صعوبات اقتصادية كبيرة.

وبالتالي لن يجد الشعب السوري بلداً مجاوراً يلجأ إليه أو يستعين به. ومن المتوقع أن هذه الحالة ستؤدي إلى ارتفاع نسبة الإرهاب، وقطع الطرق، والسرقة، والسلب والنهب، وأكل مال الناس، وعدم دفع الضرائب والرسوم للدولة.

إضافة إلى موبقات أخرى من كل شكل ولون. وسيجعل هذا الحال من سوريا بالضرورة، دولة فاشلة وصومالاً جديدة، وستكون عالة، ليس فقط على البلدان العربية، بل على بلدان العالم الأخرى، وتفقد بذلك أهميتها الاستراتيجية والتاريخية والقومية والثقافية والسياسية، ويصعب بعدها إعادتها إلى شيء مما كانت عليه.

تتوقع هيئات الأمم المتحدة المتخصصة أن يتم عقد مؤتمرات دولية وعربية عديدة بعد سقوط النظام، لبحث الأمن والاستقرار في سوريا، والبدء في تمويل حركة الإعمار من خلال مشاريع حيوية وعمرانية تتعهدها الدول العربية والغربية، بالإضافة إلى رجال الأعمال السوريين في الداخل والخارج، لأن سوريا ستكون عندها بحاجة إلى نهضة عمرانية ضخمة بسبب الدمار الذي لحق بها.

ومن المتوقع أن يبدأ العمل في المشاريع السكنية، حيث يقدر مجموع ما دمر من المساكن بـ(800) ألف مسكن، إضافة إلى إعادة تجهيز البنية التحتية التي دمرت، فضلاً عن احتياجات الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها.. ومن المتوقع أن يتولى المستثمرون (القطاع الخاص) إعادة قطاع التشييد والبناء، والدول الداعمة إعادة بناء البنية التحتية.

وربما ستكون من المهمات العاجلة أيضاً، إعادة إسكان ما يقارب خمسة ملايين سوري بين نازح ولاجئ مشردين داخل البلاد وخارجها، بعد أن دُمرت بيوتهم جزئياً أو كلياً، وإيجاد عمل لملايين العاطلين.

 

Email