فضيحة كاهوزاك

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلمة (Affaire) الفرنسية لها عدة معان في القاموس. من هذه المعاني الشائعة، شأن، عمل، تجارة، مسألة، أمر، قلق، مشكلة، خطر، وضع سيء، ورطة، صفقة، وضع سيء، قضية، دعوى قضائية... إلخ.

 ويبدو أن فرنسا تعيش منذ عدة أيام كل هذه المعاني مجتمعة في مسألة واحدة. قضية أو ورطة أو صفقة أو مشكلة أو قلق أو خطر أو الوضع السيء الذي لا يحسده عليه أحد لوزير الميزانية المفوض في حكومة فرانسوا هولاند تلك الحكومة التي لم تبلغ بعد عامها الأول: ونقصد به، جيروم كاهوزاك.

وحيث أن العرب مشغولون منذ موقعة صفين بالحروب والمعارك الطائفية الطاحنة، فلربما لم يجدوا متسعا من الوقت لمتابعة فضيحة جيروم كاهوزاك المالية بعد فضيحة دومينيك شتراوس خان الأخلاقية. هذا الرجل ذو الهامة الملفتة للنظر وذكاءه الحاد، المولود عام 1952 وينتمي إلى برج الجوزاء من أبوين يدينان بالدين اليهودي، وكان والده مهندس أسلحة أما والدته فقد كانت مدرسة للغة الإنجليزية وكانت تنظم شبكة تهريب اللاجئين اليهود من فرنسا إلى أسبانيا.

أما جيروم الابن الذي أصبح عضوا في جماعة الماسونية الفرنسية فهو اليوم متزوج لكنه على أبواب الطلاق وله ثلاثة أطفال، وقد أسس مع زوجته في بداية التسعينات من القرن الماضي عيادة مختصة بالجراحة التجميلية مختصة بزراعة الشعر في أرقى مناطق باريس والتي درت عليهما المال الوفير.

وقاد ذكاء هذا الرجل وحدة بصيرته إلى ترك عالم الجراحة التجميلية ليدخل إلى عالم السياسة من أوسع أبوابها وتمكن بسرعة البرق من الوصول إلى أعلى المناصب السياسية.

وأثناء الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، كان جيروم واحدا من أهم معاوني هولاند في تنظير سياسات الميزانية والمال ومحاربة التهرب من الضرائب. لذلك اضطر للدفاع عن مشروع ضريبة الـ 75% على كل من يربو إيراده السنوي على مليون يورو. براعته في النقاش والإقناع أقنعت الرئيس الفرنسي المنتخب فرانسوا هولاند لتعيينه وزيرا للميزانية. غير أنه لم يهنأ بمنصبه!

وعندما يكثر المال تكثر الذنوب، فقد انفجرت تحت وسادة جيروم كاوزاك قنبلة ضريبية غير متوقعة، سمع دويها ليس فقط فرنسا بل العالم أجمع وأصبحت حديث الساعة، وكما يقول المثل الشعبي: حاميها حراميها! فإن هذا السياسي الوزير المترصد بالهاربين من دفع الضرائب، كان هو نفسه يمارس خلسة عملية التهرب من الضرائب منذ أعوام طويلة.

الفضيحة ليس في تهرب وزير من دفع الضرائب ولكن في إصراره على الكذب! فمنذ اكتشاف أمره في شهر ديسمبر الماضي على موقع أحد الصحف الالكترونية (ميديابارت) ووزيرنا الموقر وجراح التجميل السابق ينكر بكل ثقة بالنفس هذه الاتهامات ويدافع عن براءته المطعونة. لكن الهجوم الالكتروني كان أقوى من الكذب.

فسقط بين يديه، واعترف أخيرا بخجل بأنه استمر لمدة طويلة من الوقت في الخداع والكذب والمراوغة على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء والشعب الفرنسي أجمعين، وأعلن استقالته من الحكومة، التي سرعان ما قبلتها بل تم فصله من الحزب الاشتراكي. وأقر بامتلاكه حسابا سريا في إحدى مصارف سويسرا ثم في سنغافورة.

هولاند المسكين في موقف لا يحسد عليه. شعبيته في هبوط متسارع، قانون الضرائب الذي اعتمد عليه في حملاته الانتخابية أصبح عبئا عليه ومثيرا لكثير من الجدل، بينما الشعب الفرنسي يعيش أمام فزع الأزمة الاقتصادية التي تنتشر في العالم، دخوله في حرب مالي التي كلفت خزينة الدولة الكثير بقدر ما جعلت منه بطلا، بقدر ما شغلته عن حل القضايا الداخلية المعقدة... إلخ. وجاء هذا الوزير ليزيد الطين بلة. وفي لحظة يأس، فقد الشعب الفرنسي أهم ما يمكن أن يتمسك به:

الثقة في قادته. أصبح الإنسان المعاصر ليس فقط في فرنسا بل في العالم أجمع ضحية ألاعيب السياسة والنفاق السياسي. هناك رجال نذروا أنفسهم لشعوبهم وإذا بهم يبيعون في الظلام الوطن ومن عليه مقابل حفنة من اليوروهات.

فمن يا ترى نصدق؟

 

Email