سعرة حرارية

ت + ت - الحجم الطبيعي

قالَ تَبارَكَ وتعالَى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا. السعرات الحرارية لها علاقة مميزة مع وزن الفرد وصحته. لست باختصاصي تغذية لكن تخصص طب الأسرة يقتضي الإلمام ببعض أبجديات هذا العالم اللامتناهي.

لتقريب الصورة سأتناول مثال كيفية عمل السيارة ووجه التشابه مع عمل الجسم. الجميع يعلم أن السيارة تحتاج إلى الوقود. يخزن الوقود في المكان المخصص له، وعندما يبدأ محرك السيارة بالعمل ينطلق الوقود ويحترق لإخراج الطاقة الكامنة بداخله للغرض المنشود. وبالمثل جسم الإنسان، يقوم بإدخال الوقود (الطعام) وتخزينه.

 وعلى المنوال نفسه عند عمل الجسم ينطلق الطعام المخزّن ويحترق للسبب نفسه. لكن هناك أمور عدة يتميز بها الجسم عن السيارة. أول هذه الأمور أماكن التخزين. في السيارة يتم تخزين الوقود في مكان واحد فقط (خزّان الوقود)، لكن جسم الإنسان يخزن الوقود في أماكن عدة (الكبد، العضلات، خلايا الدهن).

ثاني هذه الأمور طريقة وشكل التخزين. الوقود في السيارة عبارة عن سائل غليظ. أما في الإنسان فيأخذ الوقود شكل مركبات كيميائية معقده تنقسم لثلاثة أقسام رئيسية: كربوهيدرات، بروتينات، ودهون.

والأمر الثالث والأهم هو الكمية المخزّنة. في كل سيارة هناك سعة قصوى للتخزين، لكن في أجسامنا ليس هناك حد أقصى للتخزين وهذا هو أساس مشكلات العصر الحديث من الأمراض المزمنة كالسمنة والسكري.

الطاقة لها مقياس وهي السعرة الحرارية. اللطيف في الأمر أن البحوث توصلت إلى معرفة عدد السعرات الحرارية الموجودة في كل جرام مادة غذائية وأيضاً معرفة السعرات اللازمة لحركة الجسم. فمثلاً يحتاج الرجل البالغ حدود ٢٥٠٠ سعرة حرارية يومية. ويختلف هذا العدد باختلاف الفئة العمرية وجنس الفرد وعوامل أخرى.

التحدي الأكبر هو عدم وجود حد أقصى لتخزين الطعام والسعرات الكامنة فيها. هناك منحى إيجابي وآخر سلبي. الإيجابية تشجيع الجسم على تخزين الفائض في هيئة بروتينات عند إضافة الرياضة والحركة. والنتيجة زيادة وزن صحية، حيث إن كتلة العضلات تزيد في وزنها عن كتلة الشحوم والمحصلة جسم ذو مرونة ومناعة جيدة. لكن عندما نفتح الباب على مصراعيه ونسمح لكل ما تشتهي له النفس من الطعام.

وبالمقابل نقلل من حركة أجسامنا في الجلوس المستمر وإيقاف السيارة عند مدخل المحل أو المركز التجاري تكون النتيجة تخزين الفائض عن حاجة الجسم من السعرات الحرارية الموجودة في الطعام في هيئة شحوم وبالتالي زيادة وزن غير مرغوب فيها وتبعاتها من المتربصين بنا كارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسرطان.

هنا أود أن أطرح مفهوماً مهماً وهو "الأكل الصحي". تعريفات لا تعد ولا تحصى للأكل الصحي ومكوناته. بعضهم ينصح بإزالة السكريات بالكامل والآخر يركز على البروتينات حتى وصلنا لمرحلة عدم التمييز بين العلمي والتجاري من هذه النصائح وبرامج التغذية.

منظمة الصحة العالمية أكدت على نقطة مهمة: جسم الإنسان يحتاج لكل شيء سواء دهون أو سكريات أو أي عنصر آخر. بيت القصيد هو الاعتدال في تناول ما أوجده الخالق. لن أدخل في تفاصيل توزيع النسب لكل عنصر، لكن الاعتدال يحقق هدفين رئيسيين من التغذية: الأول هو الحصول على كمية سعرات حرارية تتناسب مع حاجة الفرد اليومية. والهدف الثاني حصول الجسم على النوعية من المعادن والفيتامينات المهمة.

خلاصة التوصيات أوصلتني، ومن وجهة نظري، لمعادلة بأن كل ما كانت المادة الغذائية بعيدة عن المصنع كل ما كانت أصح. الفواكه مثلاً لا تحتاج التصنيع أو التحويل وكذلك الخضروات. في المقابل الخبز الأبيض وزيوت القلي تدخل المصانع وتضاف لها مواد وتزال مواد حتى تظهر بالصورة القابلة للأكل. وبذلك نستطيع وبشكل تقريبي معرفة نكثر من ماذا ونقلل من ماذا.

بالإضافة إلى ما ذكر فإن دور اختصاصي التغذية مهم لوضع الأطر الأساسية وتوجيه الفرد (كل حسب حالته الصحية) بما يناسبه. خصوصاً في غربلة المعلومات اليومية المتناقضة. دراسة تقول بفائدة الكافيين، ويوم آخر تظهر دراسة تحذر من الكافيين وهكذا دواليك.

طبعاً لا ننسى دور الحركة المهم والذي يلعب دور البوصلة في جسم الإنسان موجهاً ما دخل من الطعام للعضو المناسب مانعاً تخزين الزائد، محققاً مع الأكل الصحي هدف بقاء الجسم في قمة الرشاقة والإتقان، حيث إن "الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّواءِ".

 

Email