شبكات التواصل الاجتماعي ومجتمع المعرفة

حرصت الإمارات دوماً، وهي تسير بقوة في طريق التنمية، على أن تكون حركتها متوازنة وفي اتجاهات عدة ومجالات مختلفة، شاملة ومتكاملة.

لذلك كان من الضروري الاهتمام بالإنسان، الذي هو صانع نهضتها والمشارك فيها والضامن لاستمرار نجاحها، من خلال بث الوعي بين أبناء الوطن، وتوفير قاعدة بشرية مزودة بمختلف المعارف، وتوفير قنوات المعرفة، والتفاعل مع مختلف القضايا وطنياً وإقليمياً وعالمياً، سواء كان ذلك عبر مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية، أو عبر العديد من الإصدارات التي تحمل قضايا الساعة، فضلاً عن استخدام أدوات العصر مثل شبكات التواصل الاجتماعي، التي تحرص قيادتنا السياسة على استخدامها للتواصل مع أبناء الوطن.

ورغم أن البعض اعتبر أن الثورة الصناعية هي آخر الثورات، إلا أن العالم شهد عصراً جديداً وهو عصر المعلومات أو الثورة المعلوماتية، حتى أصبح مجتمع المعلومات هو البديل للمجتمع الصناعي، وأصبح حجم الاستثمار في مجال المعلومات يفوق تجارة الأسلحة، وبات من المستحيل متابعة أو حصر كم المعلومات الذي تمدنا به مختلف المصادر أو التحكم فيه، في ظل حالة من السيولة المعلوماتية بين سكان المعمورة.

إننا نعيش عصر العولمة، وهو ذات المصطلح الذي تلازم مع مجتمع المعرفة، بما يعني اتساع مجال النشاط الإنساني وتباعد أطرافه في ظل الشركات متعددة الجنسيات أو متعدية الجنسيات، وهنا تظهر قيمة المعلومة في المساهمة في اتخاذ القرارات الصحيحة؛ والمعلومة ليست قيمة في ذاتها، ولكن قيمتها تتعاظم عندما تتوافر إمكانية تصنيفها وتخزينها وتحليلها وسهولة استدعائها عند الحاجة، فضلاً عن تداولها، وهنا تأتي أهمية تقنية التواصل الاجتماعي باعتبارها الحامل للفكرة.

ولأن منطقتنا العربية وجدت نفسها داخل هذا المعترك بأدواته، دون أن تسهم بشكل كبير في ترسيم قواعده، كان لا بد لها من التعامل معها، ومحاولة تطويع هذا الواقع - قدر الإمكان - لتعظيم جوانب الاستفادة والحد من سلبياته ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

ومن هنا تأتي أهمية المنتدى الاستراتيجي العربي لهذا العام، والذي عقدت فعالياته منذ أيام تحت عنوان «شبكات التواصل الاجتماعي ومجتمع المعرفة»، لتسلط الضوء على شبكات التواصل الاجتماعي ودورها في تعزيز مجتمع المعرفة، وكذلك دراسة التحديات التي تواجه تلك الشبكات، والاستخدام الأمثل لها من خلال استكشاف الفرص التنموية التي يمكن أن تسهم فيها تلك الشبكات.

وفي تقديري أن مجتمع المعرفة هو القادر على تحويل المعرفة من قيمة كامنة في ذاتها، إلى الاستفادة منها في واقع حياة الناس، وهو المجتمع الذي لا تقبع فيه المعلومة على أرفف المكتبات وخزانات الكتب، ولكنه الذي يرى أثر المعلومة في تجويد حياته وترقيتها، وهو المجتمع الذي تشكل فيه المعلومة قاسماً مشتركاً لكافة القرارات التي يتخذها المسؤولون، ومن ثم تنتشر بين أبنائه الثقافة العلمية، ويقدر الأفراد على قدر حظهم منها، وما يملكون من أدواتها، ويتمايزون على أساس ما تحمله رؤوسهم من فكر يخدم الوطن ويرتقي بسلوك أبنائه.

لقد تسارع معدل إنتاج المعلومة بصورة غير مسبوقة، فبعد أن كانت كمية المعلومات تتضاعف كل 30 عاماً، انخفضت في القرن الماضي إلى 8 سنوات ثم 4 سنوات، إلى أن أصبحت تتضاعف كل عام تقريباً، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً لصانع القرار، فضلاً عن أن الدفعات الاقتصادية التي تحدث في المجتمعات، لم تعد تركن إلى الوفرة الاقتصادية أو الطاقات البشرية فقط، بل على توافر المعلومة ومهارة استخدمها، والاستفادة من معطياتها، فضلاً عن القدرات المعرفية المتاحة، ومدى توافر أدوات فاعلة للتواصل، سواء بشكل هابط من المستويات القيادية المختلفة إلى قواعدها، أو بشكل صاعد فيما يمكن أن نسميه آراء المواطنين وما يحتاجون إليه، أو في شكل أفقي بين المستويات الإدارية المختلفة.

وما يستحق التوقف هو أن وسائل الاتصال التقليدية خلال مرحلة البث الأرضي، ورغم محدوديتها، كان لها دور فاعل ومؤثر في الارتقاء بالمستوى الثقافي والمساهمة في عملية التنمية، وهو ما لم يحدث في عصر الفضائيات والسموات المفتوحة، رغم تعدد أشكال وأدوات الاتصال.

لذا كان من الأهمية بمكان سعي المنتدى خلال جلساته الخمس، عبر استضافة نخبة من الخبراء والأكاديميين وصناع القرار، إلى تأصيل مكانة شبكات التواصل كوسيلة مهمة للتثقيف والحصول على المعرفة وتحقيق التنمية المستدامة في العالم العربي. والأهمية تأتي من أن تراث نشأة وسائل الاتصال، يؤكد أنه يترافق مع بدايتها - غالباً - التباس في الاستخدام الأمثل لها، وارتباك حول الدور الذي يمكن أن تقوم به.

ولأن وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها تويتر وفيسبوك، أصبحت من أكثر وسائل الاتصال استخداماً للتواصل بين فئات المجتمع، وخاصة الشباب، فقد كسرت احتكار المؤسسات الإعلامية التقليدية لصناعة الأخبار، وأوجد ما يمكن أن نسميه المواطن الصحافي الذي لم يعد يتلقى فقط الرسالة الإعلامية، لكنه يشارك في صناعتها ونشرها.

ولقد صنف موقع سوشيل بريكر العلمي - المتخصص في حقائق عالم شبكات التواصل الاجتماعي - قارة آسيا على أنها أكثر القارات استخداماً لشبكة الفيسبوك، وجاءت الإمارات في المرتبة 14، كما بلغت نسبة المستخدمين من الذكور 68% والإناث 32%، في الشريحة العمرية 25- 34، كما أن عدد التغريدات العربية عبر شبكة تويتر، تجاوز 17 مليون تغريدة باللغة العربية، جاءت المملكة العربية السعودية في الصدارة، تلتها مصر ثم الكويت فالإمارات.

ولأن ذلك لا يخلوا من تحديات تتعلق بالاستخدام غير الرشيد وصعوبة التأكد من حقيقة ما يتم نشره، حتى باتت مصداقية هذه الوسائل على المحك، لذلك فقد مثل المنتدى في نسخته الحالية، فرصة لوضع خارطة طريق لأفضل الممارسات للتعبير عن حرية الكلمة، والتي من شأنها أن تبني ولا تهدم، وتثري الفكر وتزهر العقول، وتسعى إلى طرح ما يدفع مسيرة البناء، لا أن تكون وسيلة للهدم، وتنمي لدى الفرد القدرة على التمييز بين الصالح والطالح، لا أن تلبس الحق بالباطل، كما تسهم في الحفاظ على ثوابت المجتمع وقيمه، لا لبث الفرقة بين أبنائه وتذكية التعصب وإشعال نار الفرقة، وأن تدعم النماذج التوعوية التي ترشد من السلوك، لا أن تكون وسيلة للتغييب والهروب بصناعة واقع افتراضي، بعيداً عن الواقع المعاش.

 

الأكثر مشاركة