باسم يوسف .. فقط لا غير

ت + ت - الحجم الطبيعي

البعض منا يلجأ أمام أول عقبة أو مشكلة تواجهه إلى تكسير صحون المطبخ أو يضرب زوجته! وبعضهم يلجأ إلى الحكمة والدبلوماسية.

كل شيء في الحياة يتغير مع الزمن، حتى كيفية حل المشاكل التي تواجه الإنسان. في غابر الأزمان كانت الحروب هي الحل القاصم، ولدى العرب تاريخ طويل من الحروب والمعارك منها ما استمر أربعين عاما وكانت أسبابها تافهة لا تتعدى (شرف ناقة) الذي يرتبط به شرف القبيلة.

اليوم هناك ألف وسيلة ووسيلة لحل أي نزاع قد ينشأ بين طرفين، المراسلات، والقنوات الدبلوماسية واللقاء الأخوي وغيرها. وتطور طرق حل النزاعات هذا ناتج عن التعلم من نظرية الخطأ والصواب. ومع تطور وسائل الاتصال افتضح كثير من البشر وكثير من أسرار الدول، وبالتالي تضاعفت الخلافات في المجتمعات. واختلفت أيضا طرق البشر في كيفية حل خلافاتهم، ومنهم من وجد في وسائل الإعلام خير وسيلة للاحتكام لرأي البشر.

مرتبط مع هذا الأمر التغيرات الجذرية على مستوى العالم وعلى رأسها سقوط الدور الأميركي من إدارة شؤون الدول فلم تعد تخيف أحدا، وعاجزة عن حماية حلفائها الذين تركتهم أمام أقدارهم. وما الربيع العربي سوى واحد من تلك النتائج المترتبة على هذا الضعف، فسرعان ما انهارت مجموعة من الأنظمة العربية كورق اللعب، ما سمح بعد ذلك بدخول بصيص ضوء من حرية التعبير تبعه حق الانتخاب كما حدث في تونس وليبيا ومصر.

وحيث إننا نتحدث عن ديمقراطية ـ ولو بشكل بدائي ـ ينادي بها من وصل بفضلها إلى الحكم، فهذا يعني أن هناك أطرافاً أخرى استفادت من بصيص الضوء هذا للتعبير عن رأيها كيفما حلى لها تحت شعار حرية التعبير.

والتعبير عن الرأي المخالف هو في الحقيقة فن له أشكاله ولا يتقنه إلا القلة وقد لا يفهمه الكثيرون ولا يبتلعه الطرف المقابل.

ومما يؤسف له أنه مازال بيننا أقوام وفئات تعيش في قواقع عصور كان يا ما كان ولم تقرأ شيئا عن العولمة والتطور التقني في الاتصالات ولا تفهم لغة الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الشابة، وما زالت مسكونة بالخوف من شبح الآخر ومن النقد حتى ولو كان بناءً، فيتحول إلى وحش كاسر أمام أصغر ملاحظة تقال له، وبالتالي يكون الانتقام أكبر من الحدث.

وهذا تقريبا ما حدث للإعلامي المصري باسم يوسف في برنامجه النقدي الكاريكاتوري (البرنامج). هذا البرنامج بشهادة الجميع كان ناجحا إعدادا وتقديما وإخراجا، وهو بالنسبة للعرب يعتبر شكلا جديدا لم يتعودوا عليه من النقد الكاريكاتوري، مع أن الفكرة أصبحت قديمة لدى الغرب. واعتقد باسم يوسف بأن حرية (الرأي الآخر) التي عانى منها الإخوان المسلمون منذ حكم عبد الناصر أصبحت بعد حكم الإخوان متاحة للجميع بدون قيد أو شرط.

وأعتقد بأن باسم يوسف ظن بأن ديمقراطية الغرب أصبحت في عقر داره فتجاهل عقلية وتفكير جماعة الإخوان من هذه الكاريكاتوريات التي تبث بالصوت والصورة والتي بقدر ما تضحكنا تثير وتغيظ وتكشف المستور من تصرفات مجموعة من المحسوبين على هذه الجماعة.

مع أن البرنامج لا يقدم سوى مقاطع فيديو حقيقية لا تلاعب فيها لتصريحات أو حديث أو خطب المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، باعتبار أن رئيس الجمهورية إنسان عادي قبل وبعد الثورة ولم يغيره مخمل الكرسي.

إن علاج هذه الظاهرة المنتشرة في العالم لا يكون بجره إلى المحاكم، وهو رجل إعلامي يتابعه أكثر من 30 مليون مشاهد. واليوم سمع عنه من لم يعرفه من قبل، وبالتالي خرج كاسبا من المعركة وأصبحت له شعبية أوسع وأكد بأن الإخوان المسلمين وهم في السلطة يمارسون نفس سياسة الأنظمة السابقة لهم في التعامل مع كل من يعارضهم.

كنت تمنيت لو أن الرئيس مرسي خرج ليعلن على الملأ معارضته لمحاكمة باسم يوسف وأمر بجائزة لكل من يهدي إليه عيوبه، وحياه على نجاح برنامجه. لكننا ما زلنا في أبجديات حرية التعبير وما زلنا نفتقر إلى حكمة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وإلى روح الدعابة وخفة الدم التي اشتهر بها المصريون. والتي يدفع ثمنها إعلاميون ناجحون مثل باسم يوسف.

 

Email