مفتاح الأمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

«الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى»، مقولة نسمعها عند زيارة مريض أو عند الحديث عن الصحة والمرض. لبس هذا التاج والاحتفاظ به، كان وما زال هدف سكان هذا الكوكب منذ بدء الخليقة. وللحفاظ عليه من أي صدأ، برزت مجموعة من عاشقي هذا التاج منذ قديم الزمن، حاملين شعلة الصحة من زمن إلى آخر ومن حضارة إلى أخرى، أعني "الطب والأطباء".

التحدي الأكبر في عصرنا الحاضر، هو عدم اقتصار رؤية تاج الصحة على المرضى فقط، فالأصحاء أيضا يرونه ويريدون الحفاظ عليه. وأخص بالذكر فئة أطلق عليها من وجهة نظري "الأصحاء الظاهريين". تشمل هذه الفئة الذين يعيشون بصحة وعافية ظاهريا، لكن تختبئ تحت جلودهم مستويات سكر عالية وضغط دم مرتفع، وشرايين دم مهترئة ومغلقة جزئيا، بسبب أعمال طرق الكولسترول المرمي من قبل الناقلات الخبيثة.

عند هؤلاء يكون تاج الصحة مثل السراب، كل ما اقترب منه الفرد اختفى. هذا اللهاث المستمر خلف الحصول على التاج، سواء عن طريق الفحوصات الشاملة أو السفر للخارج أو الانتقال من طبيب لآخر، وبدون الحصول على إجابة شافية أدى ذلك بالكثيرين إلى التوقف وعدم الاكتراث وفقدان الأمل.

هذا بدوره جعل أسلوب الحياة يتزين بقلة الحركة، وبالأكل الشهي اللذيذ، والضغط النفسي وقلة النوم، والكثير من السلوكيات التي تجعل من تاج الصحة عديم القيمة.

ودولتنا ليست ببعيدة عن تحديات العصر في مجال التاج المسلوب. ففي السنوات الأخيرة زادت نسبة انتشار الأمراض المزمنة في الفئات العمرية المختلفة، وأصبحت البدانة (أكبر معول دمار لتاج الصحة) منتشرة كانتشار النار في الهشيم. بدورها قامت الجهات الصحية مشكورة، بالكثير من المبادرات للحفاظ على الصحة، وخصصت في سبيل ذلك أفضل المستشفيات، وجلبت أفضل الأجهزة، وتعاقدت مع المؤسسات الصحية العالمية. لكن كان هناك باب سحري يحوي خلفه كنز "البحث العلمي"، ما زال يحتاج لمفاتيح عدة لفتحه.

أول هذه المفاتيح كان من قبل جامعة الإمارات، وأخص بالذكر كلية الطب والعلوم الصحية. بعدها توالت الجامعات والكليات الطبية؛ كلية دبي الطبية وجامعة الشارقة وجامعة عجمان ورأس الخيمة، بإدخال مفاتيحها في باب البحث العلمي. ولا ننسى مفتاح جائزة سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم الطبية للبحث العلمي، والأثر الإيجابي لها في حراك البحث العلمي في مجال الصحة والطب.

وقبل أيام قلائل تم الإعلان عن ولادة مفتاح جديد، قام بتدشينه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، وهو "مفتاح الأمل". وتأتي هذه الولادة الميمونة تزامنا مع احتفالات العالم بيوم الصحة العالمي، والذي يقام في السابع من إبريل كل عام.

خصوصية هذا المفتاح تكمن في ارتباطه بمؤسسة الجليلة، والتي تحمل اسم كريمته، منوهة بأن زمام المبادرة انطلق من مرحلة الطفولة للحفاظ على أجيال المستقبل، والتأكد من توفر تاج الصحة الحقيقي، وليس الظاهري، لكل فرد على أرضنا الحبيبة.

ولتحقيق الهدف المنشود، تمحور مفتاح الأمل حول ثلاث دعامات أساسية؛ البحث العلمي، وهو الدعامة الأولى والأساس، فبه نستطيع معرفة حجم المشكلة وأفضل الحلول لاحتوائها، وبه نستطيع التخطيط السليم والمبني على البراهين والأدلة، على المدى القصير والطويل. الدعامة الثانية هي التعليم الطبي، فإذا كان البحث العلمي هو المادة الخام، فإن التعليم يقوم بتحويلها إلى مادة صالحة للاستخدام والتطبيق. واللطيف في التعليم الطبي أنه مثل العجلة، مستمر باستمرار البحوث وإذا توقف يبدأ تاج الصحة في الأفول.

ثالث الدعامات هي الرعاية الصحية، مكملة بذلك دور البحث والتعليم، كثلاثي ماهر في الترصيع المستمر لتاج الصحة بالغالي والنفيس.

مفتاح الأمل منارة أخرى تضاف لمنارات الصحة والطب في الدولة، وبجهود العاملين فيها ستجعل تاج الصحة يتحول من سراب إلى واقع، ليكون في متناول القريب والبعيد.

 

Email