«البريكس» وعولمة أكثر إنسانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ العام 2008 ركزت مجموعة دول البريكس، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، على تداعيات الأزمة المالية العالمية وسبل مواجهتها، والعمل على إطلاق نظام مالي عالمي جديد. وعقدت اجتماعاتها السابقة في روسيا، والبرازيل، والهند، والصين، والأخيرة في جنوب إفريقيا.

ففي 28 مارس 2012 اختتمت دول المجموعة قمتها الخامسة في دوربان في جنوب إفريقيا، وهي تشكل اليوم كتلة كبيرة تتمتع بوزن سياسي واقتصادي ومالي وثقافي فاعل على المستوى الكوني، وهي ترفع شعارات واضحة حول وقف الحروب المتنقلة، والعمل على إحلال السلام والأمن والعدل في العالم.

لذا تتوجه الأنظار إلى هذه المجموعة بالذات، لكي تعبر عن تطلعات الشعوب المغلوبة، من خلال تنفيذ توجهاتها المعلنة التي تساهم في نشر السلام والأمن والتعاون بين جميع الدول، وفق مبادئ حقوق الإنسان الأساسية التي تتبناها الأمم المتحدة.

تضم دول البريكس حوالي 44% من سكان العالم، منهم مليار و347 مليون نسمة في الصين، وأكثر من مليار نسمة في الهند، و193 مليونا في البرازيل، و140 مليونا في روسيا، و49 في جنوب إفريقيا. وهي تمتد على مساحة جغرافية تتجاوز 30% من مساحة اليابسة، ولديها ثروات طبيعية هائلة، وطاقات إنتاجية كبيرة.

ووفق إحصائيات العام 2010، بلغ إجمالي الناتج المحلي لتلك الدول قرابة 5.5 تريليون دولار للصين، وتريليونان للبرازيل، و1.6 تريليون دولار لكل من الهند وروسيا، 285 مليار دولار لجنوب إفريقيا. وأسهمت دول المجموعة في العام نفسه، بحوالي 18% من إجمالي الناتج العالمي، و15% من إجمالي التجارة العالمية. وخلال 2012 بلغ الناتج الإجمالي المحلي لدول البريكس مجتمعة، نحو 6.13 تريليونات دولار، وتجاوز احتياطي النقد الأجنبي فيها 4 تريليونات دولار. ومتوسط نمو الناتج الإجمالي في دولها قرابة 4%، مقابل 7.0% في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في العام نفسه.

وتستحوذ دول البريكس اليوم على نحو 18% من الاقتصاد العالمي، وأكثر من ثلث مبيعات الأسواق العالمية، ويتوقع أن تتجاوز نسبة مساهماتها الإجمالية 50% من إجمالي النمو الاقتصادي العالمي بحلول 2020.

نخلص إلى القول إن مجموعة دول البريكس، تلعب اليوم دورا متزايدا بسرعة في الاقتصاد العالمي، وهي دول حديثة النشأة، وتصنف نفسها في خانة الدول النامية الكبيرة، وتتبادل وجهات النظر في ما بينها بصورة دورية حيال القضايا الإقليمية والدولية الساخنة.

ونظرا لحجم القوى البشرية الشابة فيها، يتزايد عدد سكانها بسرعة ليصبح قرابة نصف سكان العالم بعد سنوات قليلة، وهي تمتلك نسبة عالية من أكبر أسواق العالم، نظرا لارتفاع أعداد المستهلكين فيها، والتزايد الملحوظ في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي، وزيادة حجم الإنفاق الذي يشكل مدخلا موثوقا لمزيد من التنمية المستدامة فيها.

وضعت قمة البريكس الأخيرة في رأس أولوياتها مجموعة أهداف استراتيجية، أبرزها:

أولا: الحفاظ على استقلاليتها، مع الحرص على إنشاء مؤسسات مشتركة تسمح لها بتجنب الارتباط التبعي بالنظام المالي العالمي، الذي يهيمن عليه الغرب.

ثانيا: سعت دولة جنوب إفريقيا إلى تأسيس مصرف إنمائي، لتمويل جزء من حاجاتها المتزايدة للتوظيف في البنى التحتية، وقد أعلنت عنه العام الماضي خلال القمة السابقة في الهند، فتمت الموافقة على إنشاء المصرف الجديد الذي سيبدأ أعماله قريبا، برأسمال قدره 50 مليار تساهم كل دولة بعشرة مليارات منها.

ثالثا: عقدت هذه القمة في ظروف دولية متوترة، يمر فيها العالم بتغيرات عميقة ومعقدة. ومع ذلك حققت دول البريكس مكانة اقتصادية بارزة، وباتت مؤهلة لتلعب دورا أكبر في القضايا الدولية، وتحولت إلى قوة فاعلة في مواجهة الأزمة المالية، وتعزيز النمو الاقتصادي العالمي، وتحسين الحوكمة الاقتصادية العالمية، وتدعيم الديمقراطية في العلاقات الدولية.

رابعا: تحت شعار "من أجل الاستقرار والأمن والرخاء في العالم"، أجرى زعماء الدول الخمس مناقشات معمقة بشأن التنمية المستدامة، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والقضايا الدولية والإقليمية الساخنة. فأعطوا الأولوية للتعاون مع الأسواق الصاعدة والدول النامية من جهة، وتقديم مساهمات أكبر في مجال تعزيز التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة من جهة أخرى، وباتت لديهم مواقف مشتركة حول سبل تطوير العمل المشترك، لحماية السلم والاستقرار في العالم.

خامسا: قدمت الصين إلى قمة البريكس اقتراحا من أربع نقاط بشأن التعاون بين دولها:

أ- الالتزام الثابت بالتنمية المستدامة وتعميم الرخاء الاقتصادي المشترك.

ب- التشاور الدائم لتعزيز الثقة السياسية بين دولها.

ج- تطوير التعاون المتبادل ووضع الأسس القانونية السليمة للحفاظ عليه وتطويره.

د- الالتزام بمبدأ التعاون الدولي وتعزيز خطط التنمية على المستوى الكوني.

وأكد زعماء دول البريكس مجددا، دعمهم الكامل لحماية الاقتصاد العالمي، ودعوا لإجراء إصلاحات جذرية في النظام المالي العالمي، وتسريع الإصلاحات في صندوق النقد الدولي، وزيادة تمثيل الاقتصادات الصاعدة والدول النامية فيه. وتعهدوا بالمشاركة الفاعلة في تنفيذ أهداف الأمم المتحدة الإنمائية، والعمل على حل النزاعات بالوسائل الدبلوماسية وفق مبادئ القانون الدولي، واحترام تعددية الآراء في المنظمات الإقليمية والدولية.

ختاما، لقد وجهت القمة الخامسة لدول البريكس، رسائل إيجابية إلى باقي دول العالم تحثهم فيها على التعاون المشترك وحماية المصالح المتبادلة. وبدت عازمة اليوم على إظهار قيادة موحدة على مستوى مجلس الأمن، لممارسة ضغوط فاعلة من أجل التزام الجميع بمبادئ القانون الدولي، وحماية حقوق الأفراد والجماعات، واحترام سيادة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وصيانة استقلالها ووحدة أراضيها. وبعد أن باتت تشكل قوة ضاغطة على مختلف الصعد، فإن من أولى واجباتها وقف العنف المتزايد في أكثر من منطقة في العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، والعمل على إنجاح الحلول السياسية وتشكيل تحالف دولي لتجفيف مصادر الإرهاب، ومنع التدخل في شؤون الدول الأخرى.

 

Email