الكوكب الآخر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الغريب أنه لم يعد أحد يتحدث عن العولمة التي قسمت قبل سنوات العالم شرقا وغربا بين مؤيد ومعارض والتي كثر اللغط حولها باعتبارها "بدعة" غربية آمن بها المسلمون. وكون كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

وكوننا قبل كل شيء عرباً شرقيي المزاج بالمعنى الإيجابي بالطبع - وكوننا تربينا على رفض أي فكرة غير واردة في قواميسنا التي لا تتغير مع الزمن، سارعنا إلى الاعتراض على هذا الدخيل الجديد في الفكر والنظام الاجتماعي والاقتصادي. واعتقدنا بأن هناك مؤامرة خلف مصطلح العولمة تهدف إلى مسح الملامح العربية الشرقية الأصيلة واستبدالها بالفكر الغربي السائد والمهيمن.

ومضى قطار الزمن بنا، وكعادتنا أيضا في عملية النسيان، نسينا قضية العولمة مع مرور الوقت، ودخلنا دون أن نشعر مع الداخلين وأصبحنا رغما عنا جزءاً من هذه القرية الصغيرة التي كانت قبل عقود ماضية قارات متفرقة متباعدة.

الآن نحن داخل هذه القرية شئنا أم أبينا، ولم يعد بإمكاننا الخروج منها إلا بالسفر بمراكب فضائية إلى كواكب بعيدة خالية من الحياة. وحيث إننا لا نتقن لا صناعة المراكب البحرية ولا المراكب الفضائية.

ومعتمدون على الآخر في كل صغيرة وكبيرة، فيبدو أن مسألة الهجرة هذه إلى خارج الفضاء مستحيلة في الوقت الراهن. وحتى ولو افترضنا أننا استطعنا بما نملكه من أموال مدخرة في المصارف الغربية شراء تلك الوسائل للسفر، فإننا سنقع في العوالم الأخرى في نفس المطب، حيث لن نجد هناك من يصنع لنا أدوات زراعية أو وسائل نقل أو أفران أو ساعات تحدد لنا الزمن.

وربما ستكون أكبر كارثة لنا ولأطفالنا على الكوكب الجديد هو أننا سوف نحرم من أفيون الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة في عالمنا العربي. في المقابل سوف نكون في مأمن من الاستغلال الغربي لمواردنا المطمورة تحت الأرض وعن مؤامراته علينا.

صحيح أننا نعيش في زمن العولمة، وأننا وجدنا أنفسنا قد تورطنا فيها دون علمنا، وأننا لا نرغب أن نفقد ملامحنا، أو أن نصبح مطية للغرب يذهب بها حيث يشاء، إلا أننا قادرون على تغيير واقعنا والتأقلم مع الوضع الجديد.

مشكلة العربي والمسلم بشكل خاص أنه يعيش عمره في حالة طوارئ لا تتوقف، وفي حالة مواجهة دائمة مع الآخر وفي حالة حرب ولا حرب مستمرة وفي حالة اختلاق الكوارث على نفسه وفي حالة قضاء على الروح وفي حالة عدم ثقة من نفسه. حالة عدم الثقة هذه هي التي جعلته آخر من يعلم وآخر من يتعلم وآخر من يتطور وآخر من ينافس. لماذا يستغل الغرب العولمة لصالحه على حسابنا ولا نستخدمها لصالحنا ولمصلحته هو أيضا، باعتبار أننا لسنا أشراراً كالآخرين؟

كل الوسائل التي تتيح انتقالنا إلى عالم الكبار متوفرة، والغرب بمفكريه ومبدعيه وصناعه ومصانعه حول العالم إلى قرية صغيرة استطعنا بفضل الله وبفضل الإنسان واكتشافاته المستمرة التنقل فوق الكرة الأرضية بسرعة البرق، فبعد أن كانت الدابة تستغرق ساعة واحدة للوصول إلى القرية المجاورة، أصبحنا قادرين على الوصول إلى آخر القارات في نفس تلك المدة الزمنية وهكذا اختصر الزمان والمكان.

وبات بإمكاننا أن ننقل صناعاتهم ومصانعهم وأفكارهم إلينا بخطوات بسيطة جدا. هل نحن في حاجة إلى الثقة بالنفس؟ هي موجودة ولكنها غير مستغلة؟ ليس الكوريون واليابانيون والصينيون والهنود أكثر ذكاء من العرب والمسلمين. هم، تعايشوا مع العولمة وسحبوا البساط من تحت أقدام الغرب ليكون تحت أرجلهم. لم يهربوا ولم يتهربوا ولم ييأسوا، ولكنهم تعلموا نظرية (كيف؟) .

وأجبرت الأجهزة الكورية الأجهزة الغربية على التقهقر أمام تقنياتها المتطورة. من أين أتى الكوريون واليابانيون بهذه التقنية؟ إنهم لم يخترعوها، بل تم تسريب أسرارها عندما كانت إمبراطوريات الغرب التي تمثل الخير منهمكة في حروبها ضد محاور الشر في الشرق الأوسط.

غير أننا نفتقد الثقة بالنفس واستخدام العقل والمنطق وغرقنا في مسائل (التكفير) بدلاً من (التفكير). وأهدرنا دم المسلمين بدلاً من دم أعداء الإسلام، وتحولت جامعاتنا إلى مسارح للمعارك الدموية يسقط فيها الأساتذة والطلاب مضرجين بدمائهم... في عالم أصبح أصغر من قرية.... بينما نعيش نحن وكأننا في كوكب آخر.

 

Email