الجامعة العربية.. حان وقت الإصلاح

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل من ربيع لجامعة الدول العربية، بعد ما شهدته المنطقة من حراك سياسي واجتماعي في السنوات الأخيرة؟ أم أن الجامعة ما زالت تعاني، بعد مرور أكثر من ستة عقود على تأسيسها، صورة قاتمة سوداء، تبعث على التشاؤم والحسرة لأسباب عدة، من أهمها:

أن المنظمة فشلت في تحقيق الكثير من الأهداف المرجوة منها، ومن أحلام وطموحات الجماهير العريضة في ربوع الوطن العربي، التي كانت وما زالت ترى في المنظمة العربية منبراً للحرية والديمقراطية والتعاون والتضامن العربيين، وجهازاً لإقرار الأمن والسلم والتفاهم بين الدول العربية من جهة، وبين الدول العربية وباقي دول العالم.

فبؤر التوتر والخلافات والنزاعات موجودة اليوم في عدد من الدول العربية، ومشاكل الحدود مطروحة وقائمة بين دول عربية عديدة. ومشاريع التنمية فشلت في العديد من الدول العربية، كما أن هناك أكثر من 80 مليون نسمة في الوطن العربي لا يعرفون القراءة والكتابة، وعشرات الملايين يعيشون تحت خط الفقر. أما في مجال التعاون بمختلف أوجهه، فنلاحظ أن التبادلات التجارية بين الدول العربية لا تكاد تذكر، بينما تصل إلى نسب كبيرة وعالية مع باقي دول العالم، وخاصة أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

تواجه جامعة الدول العربية انتقادات حادة، ودعوات مكثفة للتغيير والتجديد والإصلاح، لمواكبة التطورات والتغييرات التي شهدها العالم خلال العقود الستة الماضية. ومن الأسئلة التي يطرحها الكثيرون: ماذا قدمت هذه المنظمة من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية والتعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين الدول العربية من المحيط إلى الخليج؟ أين هي المشاريع المشتركة؟ وأين هي العملة الموحدة؟ وأين هي السوق العربية المشتركة؟ وأين عملية إلغاء التأشيرات وفتح الحدود بين الإخوة والأشقاء؟ أين هي السكك الحديدة والطرق السريعة والخطوط الجوية والبحرية التي تربط الدول العربية بعضها ببعض؟ كيف نحقق التكامل السياسي والعمل العربي المشترك، في غياب التكامل الاقتصادي والتجارة البينية بين أعضاء جامعة الدول العربية؟ مع العلم أن هناك عوامل عدة تساعد هذا التكامل والتعاون البيني، وتتمثل في التاريخ واللغة والدين والحضارة المشتركة بين أعضاء الجامعة.

تواجه جامعة الدول العربية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مشكلة إعادة الهيكلة والتنظيم والإصلاح والتغيير، والتأقلم والتكيف مع الظروف الجديدة التي يعيشها العالم، وضرورة تطبيق ديمقراطية صناعة القرار داخلها، والخروج من الروتين والبيروقراطية، إلى العمل الجاد والفعال على مختلف الأصعدة.

فبعد ثورات الربيع العربي والحراك السياسي والاجتماعي الذي نجم عنها، وبعد المشاكل التي تعاني منها عدة دول عربية، لا حل أمام منظمة العرب سوى الإصلاح والتغيير. فميثاق الجامعة واللوائح التي تحكمها وتديرها، أُقرت في الأربعينيات من القرن الماضي، وهذا يعني أن هذه القوانين بحاجة لأن تُغير وتجدد وفق التطورات العديدة والمختلفة التي شهدتها الدول العربية في السنوات القليلة الماضية.

 قمم الجامعة أصبحت روتينية شكلية وبروتوكولية، وحتى آليات العمل فيها غير مبنية على أسس علمية ديمقراطية وفعالة. فالجامعة، مع الأسف الشديد، تعكس وضع الأنظمة العربية نفسها، فقوانينها ومواثيقها ما زالت كما جاءت في الأربعينيات، دون تطوير ولا تغيير ولا تكييف مع معطيات الألفية الجديدة.

وحتى موضوع تدوير منصب الأمين العام للجامعة ورؤساء اللجان والمديرين وكبار المسؤولين فيها، لم يُبت فيه بطريقة صريحة ومسؤولة وملتزمة. وإذا نظرنا إلى معظم المنظمات الإقليمية والجهوية والقارية والدولية في العالم، نلاحظ ديمقراطية وإنصافاً وعدالة وموضوعية وشفافية في توزيع المناصب والمسؤوليات. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على انعدام الرشادة والرؤية وروح الديمقراطية في إدارة شؤون جامعة الدول العربية.

قمة الدوحة ستكون كسابقاتها، رقم آخر يضاف إلى القمم التي نظمتها المنظمة. من جهة أخرى، يجب أن نقر أن منظمة مثل جامعة الدول العربية، لا تستطيع أن تضع برنامجاً للتعاون والتكامل العربي، ولا برنامجاً للعمل العربي المشترك، إذا كانت الدول العربية نفسها غير مقتنعة وغير جاهزة للتغيير والإصلاح من الداخل.

فمعظم الدول العربية فشلت في العمل الديمقراطي، وفشلت في مشاريعها التنموية والاقتصادية، وفي إدماج الجماهير الشعبية في عملية التنمية المستدامة والتعليم والبناء والتشييد والتطور والتقدم، كما فشلت في إشراك الجماهير العريضة في المجتمع، في الممارسة السياسية وصناعة القرار، فهناك فجوة كبيرة جداً بين صانع القرار والرأي العام في معظم الدول العربية.

هذه الأمور لا تستطيع جامعة الدول العربية أن تحلها بقرارات وتوصيات ومؤتمرات وقمم تعقدها من حين لآخر، فبدون ديمقراطية، لا تستطيع أي منظمة في العالم أن تحقق العمل المشترك والتكامل على مستوى مختلف الأصعدة والمجالات.

المنظمة في واقع الأمر تعكس الوضع المتردي في الوطن العربي، وفشل معظم الأنظمة العربية في تحقيق الديمقراطية والتنمية المستدامة داخل حدودها، وكذلك فشل هذه الأنظمة في لعب أدوار هامة ومحددة على الصعيد الدولي، من خلال المنظمات الدولية ومختلف التكتلات والأجهزة السياسية والاقتصادية والثقافية.

جامعة الدول العربية بحاجة إلى وقفة مع الذات، إلى مصارحة، إلى نقد من أجل التغيير، ومن أجل الخروج من الروتين، ومن البيروقراطية والشلل القاتل. فالجامعة لا يجب أن ترتبط ببلد معين، ومنصب الأمين العام يجب أن يحدد في ميثاق الجامعة بولاية واحدة مدتها أربع أو خمس سنوات غير قابلة للتجديد. كما يجب أن يكون هذا المنصب من حق أي دولة عربية، وبطريقة التناوب، ودون ضغوط ولا قيود ولا مساومات ولا مزايدات، مثل ما هو معمول به في جميع أنحاء العالم في المنظمات الإقليمية والقارية والجهوية والدولية.

من جهة أخرى، يجب تحديد آليات العمل داخل الجامعة، وتوزيع لجانها وإداراتها المختلفة على جميع الدول الأعضاء بالتساوي. كما يجب التأكيد على تنفيذ التوصيات والقرارات، وتنفيذها على أرض الواقع، عكس ما هو معمول به الآن. كما يجب إلغاء مبدأ الأغلبية المطلقة في اعتماد القرارات والتوصيات، وتغييره بمبدأ الثلثين، أو أي طريقة أخرى عادلة وديمقراطية.

فشل العمل العربي المشترك، يعود بالأساس إلى غياب الرؤية وغياب الاستراتيجية، وغياب النية والإرادة عند الدول العربية للتواصل والتعاون، من أجل تحقيق مصالح الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.

 

Email