«حماس».. وسط المشهد المصري

ت + ت - الحجم الطبيعي

المعلومات التي نشرتها أخيراً جريدة الأهرام العربي المصرية، بشأن اتهام حركة حماس بضلوعها في جريمة الهجوم الذي استهدف في العام الماضي كميناً للجيش المصري على الحدود المصرية الإسرائيلية، وأدى إلى استشهاد ستة عشر جندياً وضابطاً مصرياً، لم تكن هي المرة الوحيدة التي تشكل عنوان احتكاك سلبي بين مصر المتأخونة، وحركة حماس التي تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

الإعلام المصري الذي يشكل الجبهة الأكثر سخونة في مجال مقاومة ما يعتبرونه سياسة الإخوان، التي تستهدف السيطرة على كل مفاصل الدولة، هذا الإعلام، كان كل الوقت يتربص بأي معلومة تتصل بالعلاقة بين حركة حماس في قطاع غزة، ومصر، لاستثمارها في التحريض على حكم مرسي، الذي يرى المعارضون المصريون أنه حكم المرشد.

الإعلام المصري وكذا العديد من القيادات السياسية المعارضة لنظام حكم الإخوان، تقدم نموذج السلوك الذي اتبعته حركة حماس في السيطرة على السلطة في قطاع غزة، وتجربتها في التعامل مع الحريات والحقوق الفردية، خصوصاً في المجال الاجتماعي، لكي يحذروا المجتمع المصري من أن الإخوان المسلمين هم أصل المدرسة التي تنتمي إليها حماس، وبالتالي فإنهم سيفرضون على الشعب المصري التجربة ذاتها والسلوك ذاته.

الحملة على حركة حماس التي تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، لا تجد ردود الفعل المناسبة الناجحة، لا من حماس ولا من جماعة الإخوان، بما في ذلك الرئيس مرسي، لتحجيم آثار تلك الحملة المتواصلة، على الشارع المصري الذي تتزايد انتقاداته وحذره من كل مواطن فلسطيني يصل من قطاع غزة، حتى لو أنه كان من غير المنتمين لحركة حماس.

لقد اجتهدت كتائب القسام، واجتهدت قيادات من حركة حماس في قطاع غزة، واجتهد رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، ونائبه موسى أبو مرزوق، في الرد على الاتهامات والتأكيد على حرص حماس الأكيد على مصالح مصر وأمنها، إلا أن هذه الاجتهادات لم توقف حملة الإعلام المصري، الذي يحرض على الإخوان المسلمين من باب التحريض على حركة حماس.

حتى الرئيس مرسي، حين أراد أن يدلي بدلوه في الرد على اتهامات الأهرام العربي، اكتفى بالتأكيد على أن الدولة ستضرب بيد من حديد كل من يتطاول على أمن مصر ومصالحها، ولم يتضمن رده أية معلومات عن واقعة استشهاد ستة عشر جندياً وضابطاً مصرياً، رغم مرور الكثير من الوقت، ورغم وعده السابق بالإسراع في التحقيق وكشف الحقائق أمام الجمهور المصري مهما كانت النتائج.

وبذلك اتسع التحريض وآثاره، ليشمل مسؤولية حماس وقطاع غزة إزاء أزمة المحروقات التي تعاني منها مصر، على اعتبار أن المحروقات المدعومة من قبل الدولة، والكثير من المواد التموينية والأساسية الأخرى، يجري تهريبها عبر الأنفاق إلى قطاع غزة.

هذه الحملة المتواصلة، تترك لدى الكثير من المراقبين أسئلة حائرة، تشكك في مدى إيجابية العلاقة بين حماس وجماعة الإخوان في مصر، وما إذا كانت الجماعة قادرة أو هي راغبة حقيقة في تلبية المتطلبات السياسية والاقتصادية واللوجستية التي تنتظرها حماس، بما في ذلك فتح معبر رفح بالكامل، وإنشاء منطقة حرة، وربما تصل إلى مستوى الاعتراف الرسمي من قبل الدولة المصرية بشرعية الوضع القائم في قطاع غزة.

لا شك أن حماس أصيبت بخيبة أمل إزاء وتيرة وطبيعة تعامل مصر التي يقودها الإخواني الدكتور محمد مرسي، وحكومة الدكتور هشام قنديل، وكانت تعتقد وتنتظر أن تسارع مصر بعد انتخاب مرسي، إلى إنهاء الحصار على القطاع، والإقدام على العديد من الإجراءات الإيجابية التي تلبي متطلبات حماس.

في الأصل يبدو أن ثمة خللاً في الحسابات، إذ يبدو أن حركة حماس تعتقد أنها صاحبة التجربة الأولى لحكم جماعة الإخوان، وأنها رأس حربة المشروع الإسلامي النهضوي، وبالتالي فإن جماعة الإخوان في مصر ينبغي أن يقيموا حساباتهم تجاه قطاع غزة، انطلاقاً وابتداءً من حسابات حماس، غير أن الواقع يقدم معادلة معاكسة.

مصر الكبيرة التي يقودها الإخوان ويرغبون في أن ينجحوا في بناء تجربة انتظروا فرصة بنائها منذ عام 1928، مصر الدولة العربية الأكبر، والدولة الإقليمية الكبرى، تتطلع لأن تكون هي مصدر القرار، والأساس الذي يبني عليه الآخرون، خصوصاً ممن يحسبون عليها حساباتهم ومصالحهم.

مصر تعاني من اضطرابات شديدة، وانقسام حاد يتزايد يوماً بعد آخر، وتعاني من شبه انهيار اقتصادي، لا يستطيع مرسي وحكومته وإخوانه وضع الحلول المناسبة لها، ولذلك فإن منطق الإخوان في مصر، كأنه يقول لإخوانهم في حركة حماس إن العين بصيرة ولكن اليد قصيرة، إذ هم لا يستطيعون معالجة أزماتهم ومشكلاتهم الداخلية، حتى يلتفتوا إلى حل الأزمات التي تعاني منها حركة حماس ويعاني منها قطاع غزة.

حركة حماس تعزو الحملات التحريضية ضدها، إلى أن ثمة أطرافاً مصرية تحاول التأثير على المنتخبين المصريين، ويقول أحد قيادات الحركة إن هذه الأطراف لن تنجح في التأثير سلبياً على شعبية جماعة الإخوان، وعلى العلاقة بين مصر الإخوان وحماس.

على أن خطابات التطمين التي تصدر غالباً عن حركة حماس، لا تغير من حقيقة أن انتماءها لجماعة الإخوان، يشكل مادة رسمية للإعلام والوسط الحزبي المعارض لحكم الإخوان في مصر، الأمر الذي يشكل بدوره قيداً على قدرة نظام مرسي على الاستجابة لطلبات حركة حماس.

ومن الواضح أن حركة حماس مستعدة فعلياً لتحمل المزيد من الأعباء، وتفهم التباطؤ المصري إزاء الاستجابة لمتطلباتها، ذلك أنها معنية بإنجاح تجربة الإخوان في مصر، فنجاح تلك التجربة في الحكم يشكل عاملاً مصيرياً بالنسبة لتجربة حماس، التي تتطلع إلى أن تتسيد المؤسسة الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية، وتمتلك القرار الفلسطيني على مختلف الصعد.

وبشكل عام فإن تجربة الإخوان في الحكم حتى الآن، ورغم مرور بضعة أشهر على انتخاب الرئيس محمد مرسي، تشير إلى أن هذه التجربة لن تكون مفروشة بالورد، وأن تفاقم الصراع الداخلي يفتح الباب أمام العديد من الاحتمالات، التي تتصل بقدرة الجماعة على التواصل في ما هي عازمة عليه من أخونة النظام، وليس من باب الصدفة تزايد المطالبة الشعبية، بضرورة تدخل الجيش لتأمين الاستقرار والنظام.

 

Email