الجيش المصري والعودة للسلطة

ت + ت - الحجم الطبيعي

سؤال الساعة في مصر الآن: هل يعود المجلس العسكري إلى صدارة المشهد السياسي؟

سؤال كان من المستحيل أن يخطر على بال أي مصري، بعد التزام المجلس بتعهداته وتسليم السلطة إلى رئيس منتخب، قبل ثمانية أشهر وبضعة أسابيع، لكن قطاعات عريضة من المصريين حولت السؤال المستحيل إلى واقع معاش، ليس في مظاهرات خرجت تدعو الجيش للعودة إلى الشارع السياسي، ولا في مئات الآلاف من التوكيلات لإدارة شؤون البلاد، باسم الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة، بل في كتابات "شخصيات عامة" كانت دائما ضد وجود العسكر في السلطة، وكانت من أسباب شيوع شعار "يسقط يسقط حكم العسكر"، الذي كانت تصرخ به مظاهرات الشباب لأكثر من عام ونصف العام، ليس في ميدان التحرير فحسب، وإنما أمام وزارة الدفاع أيضاً!

تحول غريب من النقيض للنقيض، في زمن قياسي، وقد يكون المصريون هم أول شعب ينادي بحكم العسكر في العصر الحديث، بعد تجريب حكم الإخوان المسلمين "المدني".. فكيف حدث هذا؟ لكن الأهم: هل يمكن أن تعود المؤسسة العسكرية للحكم؟!

بالفعل تبدو مصر في أسوأ حالاتها؛ دولة على صفيح ساخن، تخنقها مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية حادة، والعنف يطال كل شيء وأي شيء، ولا تجد من يتصدى لهذه الأحوال، كما لو أنها سفينة ضائعة في بحر هائج، بلا قبطان ولا بحارة ولا أجهزة ملاحة ولا شاطئ ترسو عليه!

وبدت مؤسسة الرئاسة أمام المواطنين غير قادرة على إدراك ما يحدث أمامها، كما لو أن الأحداث الجسام من حرق وضرب وقتل وسحل وعصيان مدني وقطع طرق وخراب اقتصادي، تجري في أرض غير الأرض وتصيب مجتمعا غير المجتمع، أو أنها مدركة لكنها لا تملك حلولا تعالجها وتخفف من آلامها، أو أنها مشغولة بترتيبات خاصة لا تتعلق بهذه المشكلات الحادة.

وهنا لم يجد المواطن البسيط سوى تفويض المؤسسة العسكرية، باعتبارها نظاما ذا كفاءة وقدرة على إدارة البلاد في تلك الظروف المعقدة، رغم مخاطر عدم الديمقراطية التي تكتنف هذا التفويض. لكن المسألة ليست بهذه البساطة، وتتوقف على ثلاثة عناصر معقدة للغاية..

أولا؛ المؤسسة العسكرية نفسها، ورغبتها في العودة إلى قلب المسرح السياسي، وهي لا تريد فعلا ولا تسعى للحكم، وتشعر قياداتها حتى الوسيطة منها، بقلق بالغ من فكرة العودة، فكفاها ما تعرضت له من إهانات بالغة خلال فترة حكم المجلس العسكري المؤقتة، حتى وصل الأمر إلى رشق وزارة الدفاع بالحجارة، غير البذاءات التي طالت المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس حينذاك، والفريق سامي عنان رئيس الأركان، بالإضافة إلى انعدام الدوافع الخاصة، فالمؤسسة صانت نفسها في الدستور الجديد، من أي تدخلات "حزبية وسياسية ومالية" في شؤونها، فلماذا تعود وقد يعاد فتح هذه الملفات المغلقة؟

ثانيا؛ العلاقة الملتبسة مع جماعة الإخوان، وهي خليط من التفاهم والتربص، التقدير والكراهية، فالمؤسسة إحدى ركائز الدولة المصرية، بينما الجماعة تنظيم خارج الشرعية لا سند له من القانون، وإنما فرضها الواقع المأزوم. والمؤسسة العسكرية تدرك يقينا أن الجماعة تعمل على السيطرة والتمكّن من الدولة، والجماعة متأكدة أن الجيش هو العائق الأكبر أمامها.

ووجود رئيس من الجماعة في السلطة أشبه بكابح للصدام، لكن هذا لا يمنع الجماعة من التطاول أحيانا، مثل اتهام الجيش بأنه وراء مذبحة رفح التي قتل فيها ستة عشر جنديا مصريا، للتخلص من الرئيس محمد مرسي، كما أن الجماعة تقف خلفها التيارات الإسلامية كلها، وفي حدوث أي صدام بين الطرفين ستنزل هذه التيارات إلى الشارع، وقد تسعى لصدام مسلح مع المؤسسة العسكرية.. باختصار؛ تحسب المؤسسة العسكرية تكاليف العودة لو كانت دون غطاء شرعي. وقد تمثل توكيلات المواطنين المصريين للفريق أول عبد الفتاح السيسي، غطاء شرعيا مقبولا من الرأي العام، لكنه قد لا يمنع اندلاع عنف من الإسلاميين، دفاعا عن فرصتهم لتأسيس دولة يحكمونها باسم الشريعة.

ثالثا؛ موقف الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أخطر العناصر على الإطلاق، ويستحيل تجاهله، وهي ترى في الجماعة حليفا جيدا يحافظ على مصالحها في المنطقة، وقد جربت الرئيس محمد مرسي في الاشتباكات الأخيرة بين حماس وإسرائيل، ونجح مرسي بامتياز في وقف إطلاق أي صواريخ من غزة على المستوطنات الإسرائيلية، ولا تجد واشنطن أسبابا تدفعها إلى خسارة الجماعة الآن، وإذا حدث وعادت المؤسسة العسكرية بالقوة إلى الحكم، فقد تتعرض مصر لعقوبات بالغة، تحددها قوانين صادرة من الكونغرس ضد أي دولة يقع فيها انقلاب عسكري، وتنفذها الإدارة الأمريكية أوتوماتيكيا، منها فرض حظر على أي إمدادات عسكرية، بما فيها قطع الغيار لطائراتها الحربية ودباباتها وغيرها من المعدات، والتسليح الأمريكي له الغلبة في القوات المصرية.. وقد يؤدي ذلك إلى تآكل خطير في قدراتها.

ولا يبقى أمام المؤسسة العسكرية المصرية، إلا الحفاظ بقدر الإمكان على تماسك الدولة وحمايتها من فوضى شاملة، ولن تتدخل إلا بعد أن تفك طلاسم تلك العناصر الثلاثة، لكي تكون عودتها آمنة!

 

Email