العراق والمجهول القادم

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك من راهن على أنه مع سقوط تمثال صدام حسين، سيتحول العراق في اليوم التالي إلى بلد حر وديمقراطي ومستقر، يعيش فيه الجميع في أمن وسلام.

كان ذلك تحديدا في عام 2003. اليوم، وبعد مضي عشر سنوات، يبدو أن الرهان كان خاسرا والأمن لم يتحقق، والديمقراطية ظلت ظاهرية، والفساد ما زال يضرب جذوره حتى النخاع، والتفجيرات قبل وبعد انسحاب القوات الأمريكية مستمرة بشكل يومي، والأرواح تحصد في كل ثانية، والبلد ما زال، رغم الثراء النفطي، يعيش في زمن العصور الوسطى.

بين الصورة الإعلامية الرسمية المتفائلة والوضع الحقيقي المتفجر، يوجد بون شاسع، والهوة تزداد يوما بعد يوم، والاضطرابات بدأت تتصاعد ضد النظام الحاكم، والانفجار الكبير آت في الطريق، على شاكلة الانفجار السوري الذي بدأ يلقي بحممه على من حوله.

ربما لو انتظر العراقيون عشر سنوات أخرى على نظام صدام رغم اعترافنا بأنه نظام دموي واستبدادي كمعظم الأنظمة التي سقطت لجنّب العراقيون أكثر من مليون نسمة، القتل بدم بارد راحوا ضحية عمليات التحالف العسكرية للإطاحة برجل واحد (700,000 قتيل)، وكذلك نتيجة عمليات المقاومة الانتحارية، وضحايا الجريمة التي يمول معظمها من الخارج، وأكثر من 3 ملايين عراقي تم تهجيرهم.

 ولوفّروا كذلك مليارات المليارات من الدولارات التي ذهبت أدراج الرياح، ما بين شراء الأسلحة، وشركات الحماية الأجنبية، وإعادة بناء ما هدمته الحرب نفسيا من الروابط الاجتماعية، وما هدمته من الناحية المادية من البنية التحتية، علاوة على المليارات التي تبخرت نتيجة انتشار الفساد على كافة الأصعدة.

باختصار شديد؛ خرج العراق من صفقة الانقلاب على النظام خاسرا أكثر منه رابحا. العراق اليوم ممزق، والتقسيم على الأبواب، والعراقيون مبعثرون في أرجاء الأرض، والقاعدة ضربت قواعدها في بلاد الرافدين ولن تخرج منها، لأنها وجدت البيئة الأمثل لكي تتكاثر دون رادع.

هناك من سيدعي أن الحرية لها ثمن وهذا هو ثمن الحرية ويجب الانتظار. هذا أيضا صحيح، وكلنا متفقون على ذلك، لأنه لا أحد كان راضيا عن النظام السابق. ولكن أين هي الحرية والديمقراطية في عراق اليوم؟

إن الحرية والديمقراطية ليستا مجرد شعارات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد دفع العراقيون دمهم غاليا لأجلها، ولإيجاد أرضية صلبة يقوم عليها الأمن والاستقرار والتقدم الحضاري والازدهار، ولا توجد تنمية اقتصادية ولا تقدم إلا بهذين.

وكل هذه الأمور، في ما يبدو، منعدمة في العراق الذي تحول مع الوقت إلى رقعة شطرنج كبيرة ممزقة وبألوان مختلفة، تتصارع عليها مجموعة لا متناهية من الملوك والوزراء والبيادق والفيلة والأمزجة.. ولا توجد فيها قلاع تحصنها!

العراق منذ غزو الكويت وسقوط صدام، تخللتها 8 سنوات من الاحتلال الأمريكي، يواجه اليوم أخطر مراحل كيانه، متمثلة في حرب طائفية أهلية دموية شاملة. وهذا يعني إضافة عشر إلى عشرين سنة أخرى من الاضطرابات القادمة، أي ربع قرن من تاريخ العراق انتهى في الفوضى وعدم الاستقرار والتخلف.

ومثلما بدأ بعض العراقيين في الشعور بالحسرة على زمن الرخاء أيام صدام حسين، سوف يندمون بعد عشرين سنة على زمن المالكي!.. وهكذا.

المعضلة الكبرى في العالم العربي ليست في انعدام الديمقراطية وتهميش الحرية والفساد، وإنما في عدم تقبل الآخر، وتغليب النزعة الطائفية الخاصة على المصلحة العامة. وعندما تحل هذه القضية، عندها فقط يحق لنا أن نبدأ في البحث عن الطريق الأمثل إلى الديمقراطية، ولا نخشى من ثورات الشعوب المغلوبة على أمرها.

 

Email