مواطنات يعملن طباخات

ت + ت - الحجم الطبيعي

لفت انتباهي خبر جاء على موقع «أرقام» (3/3) نقلاً عن قناة العربية، يقول هذا الخبر: «شرعت مجموعة من المواطنات السعوديات في مزاولة وظائفهن في خدمة الغرف وطهي الطعام في أحد النزل (الفنادق) الريفية في عنيزة، في خطوة تعد الأولى من نوعها لدخول المرأة إلى العمل في مجال الخدمات الفندقية وممارسة مهن قد تواجه بانتقاد من المجتمع». ويبلغ عدد المواطنات العاملات في نزل عنيزة الواقع في قلب نجد، اثنتا عشرة سعودية، ست منهن يعملن في الطبخ، والباقيات يعملن في تنظيف الغرف.

أما مشاعرهن نحو أعمالهن فإيجابية إلى أبعد الحدود، فهن «جميعاً يفخرن بعملهن، خاصة لناحية جودة ما يقدمن من طعام لنزلاء الفندق»، وأكدن للعربية أن «بعض الزوار يأتون للفندق خصيصاً لتناول الأكلات الشعبية التي تعد في الفندق»!

واختتم التقرير برأي جدير بالتأمل لفائق منيف، المحاضر في معهد الإدارة السعودي، وطالب الدكتوراه في جامعة برونيل، حيث قال: «إن ثقافة العيب لم تعد كما كانت من قبل»، وأردف: «ثقافة العيب بدأت في عصر الطفرة، فأصبحت هناك نظرة دونية للأعمال الحرفية والمهنية. أما قبل ذلك فكان أجدادنا يعملون في الأعمال الحرفية. وثقافة العيب تلك طالت عمل المرأة أيضاً».

هذا ما يحصل في «قاع» المجتمع السعودي بخصوص المرأة، أما ما يجري في «قمة الهرم» فيوضحه تعيين 30 سيدة سعودية في مجلس الشورى أخيراً، وهو المجلس المؤلف من 150 عضواً. ولا شك أن هذا الخبر وذاك إنما يعكسان تطور دور المرأة في المجتمع السعودي، حيث دخلت المرأة هناك كل مجالات العمل، والمستقبل أمامها واعد، نظراً لإقبالها الشديد على التعليم بشكل عام، والتعليم الجامعي والعالي بشكل خاص.

هذان الخبران جاءا في الوقت الذي تستعد فيه المرأة للاحتفال بيومها العالمي (الثامن من مارس)، ليؤكد المرة تلو الأخرى أن عمل المرأة هو سر تحررها.

وقد يعترض بعض المتزمتين على لفظ «التحرر» ويجعلونه مرادفاً «للانحلال»، وهي محاولة بائسة لحرف معنى التحرر المقصود به مساهمة المرأة على قدم المساواة مع أخيها الرجل، في تحمل أعباء الحياة، ومن ثم حصولها على نفس مقدار ما يحصل الرجل عليه من حقوق. ولعل العمل كان المجال الأول الذي انطلقت منه الشرارات الأولى لمطالبات المرأة، التي ما زالت مستمرة لنيل حقوقها.. وما الثامن من مارس إلا ذكرى لتلك البداية.

ففي ذلك اليوم من سنة 1857، خرجت الآلاف من النساء العاملات في صناعة الألبسة، في تظاهرة في شوارع نيويورك للمطالبة بتحسين أوضاعهن، ونجحت التظاهرة رغم قمع الشرطة لها. وبعد مدة طويلة (1908)، وفي نفس الذكرى، نزلت الآلاف من حفيدات أولئك العاملات مرة أخرى إلى شوارع نيويورك، وقد توسعت شعاراتهن وما ينادين به، لتشمل إلى جانب قضاياهن المطالبة برفع الأجور وتحسين شروط العمل، مطالب أخرى مثل حقهن في الانتخاب.

وقد رفعن في أيديهن «الخبز والورود»، دلالة على سلمية تظاهرتهن. وانتظر العالم 120 عاماً من انطلاق التظاهرة الأولى، ليقرر عبر منظمته - الأمم المتحدة - في العام 1977 ذاك اليوم (الثامن من مارس) يوماً عالمياً للمرأة، تحتفل به جميع الدول وشعوبها.

وتحتفل الشعوب والدول العربية في هذه المناسبة، وفي السنوات الأخيرة، وفي ظل الربيع العربي أصبح لهذا الاحتفال طعم آخر؛ إنه طعم يجمع بين الحلاوة والمرارة. فمن حيث حلاوته، فقد ساهمت المرأة العربية في الثورات بشكل فاعل، فرأيناها على الشاشات في ساحات تونس والقاهرة والإسكندرية وصنعاء. وما حصول توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام لمشاركتها الفاعلة في الثورة اليمنية، إلا دليل ساطع على ما نقول.

أما الجانب المر من هذه المناسبة، والمتعلق بالربيع العربي، فإنه يتمثل في «قطف» الجماعات المتزمتة، كجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين وغيرها من الجماعات المتشددة ثمار هذا الربيع، الأمر الذي يعني أن المرأة العربية في هذه الدول ستكون أول ضحاياه. فالسوابق تشهد على أن هذه الجماعات، كانت دوماً ضد حقوق المرأة السياسية، فضلاً عن الاجتماعية.

على العموم، نقول للمرأة ألف مبروك في عيدها، وهو بحق عيد للجميع.

 

Email