الجرائم الإلكترونية.. التساهل ركيزة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرة أخرى تطل الجريمة الإلكترونية بقرونها لتؤرق أمان المجتمعات، وتتسلل عبر أخص خصوصيات الناس وتجعل منها مادة للابتزاز أو النصب أو السرقة، مستفيدة من جهل الكثيرين بألاعيب الاختراق، وسذاجة البعض في التعامل مع التقنيات الحديثة وشبكة الإنترنت.

 ليس من باب التهويل لحجم القلق الذي تسببه هذه الجرائم، لا سيما إذا علمنا كما أشار القائد العام لشرطة دبي بالإنابة، اللواء خميس مطر المزينة، إلى أن الجرائم الإلكترونية تتصدر مؤشر الجرائم المستحدثة في دبي والإمارات، وترتفع بمعدل 200 جريمة سنوياً، إذ سجلت شرطة دبي كما أكدت الإحصائيات 278 بلاغاً في عام 2008، بينما وصلت إلى 772 بلاغاً في 2012، فيما سجلت المباحث الإلكترونية 81 بلاغاً منذ بداية العام الجاري قبل أن يكتمل الشهر الثاني.

ومما يلفت النظر أيضاً في هذا الخصوص، إحدى الإحصائيات التي أوردتها شركة متخصصة في مجال التحقيقات الرقمية والأمن الإلكتروني، من أن منطقة الشرق الأوسط غدت هدفاً رئيساً للجرائم الإلكترونية، كما أن تقرير «الجريمة الاقتصادية في العالم العربي» الذي أعدته شركة «برايس ووترهاوس كوبرز»، أكد أن هناك نحو 40٪ من الجرائم الاقتصادية التي تقع في منطقة الشرق الأوسط تتم عبر القنوات الإلكترونية، وهي نسبة أعلى بكثير من المتوسط العالمي الذي يساوي 23٪.

أرقام كبيرة بلا شك، إذا نظرنا إلى معدل التسارع والانتشار السنوي لها، ما يحتم النظر إلى الأمر بكثير من الجدية والمعرفة، والقفز فوق عتبة التساهل في التعامل مع هذا الفضاء الخادع.

بداية لا ننكر الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسات الأمنية والشرطية المعنية بهذا النوع من الجرائم، في سباق مع الجناة للوصول إلى الهدف قبلهم والتقدم عليهم بخطوة، ما يضع رجال المكافحة في تحد مستمر، وجهد لا ينقطع لتطوير أدائهم باستمرار، وهو عمل احترافي كبير، تمثل في دبي ـ على سبيل المثال ـ في إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، ونعلم أن عناصرها من المؤهلين الأكفاء الذين يطورون خبراتهم باستمرار، ويتواصلون مع الخبراء العالميين في هذا المجال لتحقيق أعلى النتائج.

ولكننا نعيد الكرة إلى ملعبنا باستمرار، نحن جمهور المستهدفين، وهو جوهر عملية مكافحة هذا النوع من الجرائم وأمثالها مما له صلة وثيقة بخصوصيات الناس، أو التسلل إلى حساباتهم البنكية أو ما شابه ذلك. وهنا لا بد من القول الذي يعلمه الكثيرون ولا يكاد يطبقه إلا القليلون، وهي أنه بجرعة كافية من الوعي التقني ولو كانت قليلة وبإجراءات ربما يراها البعض بسيطة، يمكننا تلافي الكثير من المصائد الإلكترونية التي ينصبها ضعاف النفوس ومن خلالها يحصدون ثمار خبثهم.

علينا أن ندرك أن العالم من خلال شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أصبح أصغر من قرية واحدة، بل أصبح كأن العالم في غرفة واحدة، وجهاز كمبيوتر واحد، فباستطاعة شاب متصيد يجلس في بلدة نائية في أقصى العالم، أن يطلع على سجلاتك وأرقامك وصورك الخاصة وحساباتك البنكية، إذا أسأت تخزينها أو تركتها عرضة للناهبين، وهم يتجولون في أنحاء الأرض يتلمسون الثغرات والهفوات لتكون مفاتيح اختراقات لا تحمد عقباها.

وليس عيباً في مجتمعنا أن يتم الإعلان عن زيادة هذا النوع من الجرائم، لا سيما إذا علمنا أنها مفرز طبيعي للطفرة السكانية في دول الخليج عموماً، والإمارات خصوصاً، تسبب فيها جلب أعداد هائلة من العمالة ذات الثقافات المتباينة، وهو الأمر الذي أثر من نواحٍ إيجابية وسلبية في سلوكيات المجتمع، وكيف لا يكون ذلك إذا استذكرنا وجود أكثر من مئتي جنسية على أرض الإمارات، بثقافاتها المختلفة وأهداف البعض المنافية لأساسيات السلم الاجتماعي الذي تعودنا عليه في دولة الإمارات.

إن الذي يقرأ في بيانات الشرطة عن القصص والحوادث والإبداعات التي ينفذ من خلالها المحتالون، يدرك حجم التحدي الذي تقف أمامه مؤسسات الشرطة ووزارة الداخلية لضبط هؤلاء المجرمين، ولكن مع ذلك لا بد كما أسلفنا من الشد على يد الشرطة، وعدم ترك الأمر للنوايا الطيبة وسذاجة التفكير، فنحن كأفراد مطالبون بألا نسهل عمل المحتالين وضعاف النفوس، ولا يكلفنا الأمر إلا بعض الإجراءات الاحترازية، لا سيما وأن المؤسسات المختصة بالجرائم الإلكترونية وأمن المعلومات، تؤكد باستمرار الحاجة الماسة للتحليل الاستباقي للتهديدات المفاجئة عبر الثغرات الأمنية والقرصنة وتسرب البيانات والتهديدات المتواصلة المتطورة، ومواجهتها والتصدي لها.

 

Email