صراع محتدم على السلطة في تونس

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعيش تونس أزمة سياسية عاصفة منذ اغتيال السياسي المعارض شكري بلعيد، وتتخوف المعارضة من استمرار الأزمة في أعقاب استقالة رئيس الحكومة حمادي الجبالي وإفشال مبادرته لتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية، لإعادة الاستقرار والأمن إلى تونس.

لكن مظاهر القلق داخل المجتمع التونسي تزايدت، بعد تكليف علي العريض بتشكيل حكومة ائتلافية جديدة في 22 فبراير 2013، فأثار اختياره ردود فعل سلبية لدى المعارضة والسلفيين معا. فهو يشغل منصب الأمين العام لحركة النهضة الإسلامية الحاكمة، ويصنف بين أبرز قادتها المتشددين. تولى وزارة الداخلية في الحكومة المستقيلة، فازداد الوضع الأمني سوءا في عهده.

وقد وصفته قوى المعارضة بأنه الشخص غير المناسب لحكم تونس، وأنه نتاج مسار فاشل طوال المرحلة الانتقالية التي تجاوزت السنتين من عمر الثورة، بسبب إصرار حركة النهضة على التفرد بالسلطة. لذا يتخوف الشارع التونسي والقوى السياسية المعارضة، من صدامات أكثر حدة في عهد رئيس الوزراء الجديد، الذي لا يحمل سوى حلول أمنية لمشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة.

 تعهد العريض في أعقاب تكليفه بتشكيل حكومة ترضي الجميع، وأن تضم عناصر تتمتع بكفاءة عالية في مجال اختصاصها من التونسيات والتونسيين، وأعرب عن أمله في التوافق على حكومة وفاقية تحقق أهداف الثورة، وتحافظ على هيبة الدولة ومؤسساتها، مضيفا أن تونس اليوم بحاجة إلى تكاتف جهود الرئاسة التونسية، والمجلس الوطني التأسيسي، وأعضاء الحكومة، والأحزاب السياسية، والمنظمات الشعبية، والنقابات العمالية، وبتضامنها فقط تتمكن تونس من تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة، وإرساء مبادئ الديمقراطية والحريات الخاصة والعامة، وحقوق الإنسان.

لقد تكرر هذا الخطاب الداعي إلى الوحدة الوطنية لتحقيق أهداف الثورة مرارا، في تونس وغيرها من دول الانتفاضات العربية، بيد أنها تواجه صعوبات كبيرة منذ نجاح الثورة، ثم زادت حدة في المرحلة الانتقالية المستمرة منذ أكثر من عامين. وتتمحور تلك الأزمات حول القضايا المحورية التالية:

أولا؛ عملية الانتقال الديمقراطي بصورة سلمية وسلسة وشفافة. فقد ارتبكت هذه العملية، لدرجة أن الخروج من الأزمة السياسية في تونس بات يتطلب اليوم توافق جميع الفرقاء السياسيين، ووضع خلافاتهم جانبا، وتغليب مصلحة الشعب التونسي على المصالح الشخصية والحزبية الضيقة.

لكن ممارسة حركة النهضة وحلفائها طوال المرحلة الانتقالية، لم تكن ديمقراطية على الإطلاق. فقد اتجهت منذ البداية إلى فرض هيمنتها على كامل مؤسسات الدولة، وتقييد الحريات الفردية والعامة.

وعملت على إضعاف المعارضة بكل الوسائل المتاحة، بدءا من قمع حركات الاحتجاج في الشارع، وصولا إلى مرحلة الاغتيال السياسي، كما يرى معارضوها، فكان أبرز ضحايا هذه المرحلة الشهيد شكري بالعيد، الذي أدى استشهاده إلى إسقاط الحكومة. إلا أن اختيار رجل كان وزيرا للداخلية في الحكومة السابقة، لتولي رئاسة الحكومة الجديدة، لا يطمئن المعارضة.

ثانيا؛ زادت حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وطالت حياة جميع التونسيين بدرجات متفاوتة. فكانت مبادرة رئيس الوزراء السابق، الجبالي، بتقديم استقالة حكومته على أمل تشكيل حكومة تكنوقراط من أهل الاختصاص والكفاءة، لحل الأزمات ومنع تفاقمها.

فقد كان الجبالي يتولى أيضا الأمانة العامة لحركة النهضة الإسلامية إلى جانب رئاسة الحكومة، وله موقع متقدم في الائتلاف الحاكم في تونس.

وبعد اغتيال بالعيد توهم أن حركة النهضة وحلفاءها سيوافقون على تشكيل حكومة محايدة لا تضم في صفوفها ممثلين للأحزاب الكبرى في تونس، وهدد بالاستقالة في حال لم تحظ حكومته المقترحة بدعم المجلس التأسيسي.

وتقدم فعلا باستقالته بدافع حرصه الشخصي على الوفاء بالعهد، وإصراره على إيجاد حلول عملية وعقلانية للأزمة التونسية، وفق شروط واضحة أعلن عنها في بيان الاستقالة. واعتقد أن الشروط التي حددها لتشكيل حكومة كفاءات علمية، تعتبر أفضل الحلول لإخراج تونس من أزمتها.

وركز فيها على معايير علمية لاختيار الوزراء الجدد من غير المتورطين في عمليات فساد مالي أو أخلاقي، ومن غير المنتمين لأحزاب سياسية، على أن يلتزموا بعدم الترشح في الانتخابات البرلمانية القادمة.

فتلاقت مبادرته مع طرح المعارضة التونسية واتحاد العمال التونسي، بهدف تشكيل حكومة بمواصفات جديدة، تتميز عن الحكومة الحالية التي ثبت عجزها عن أداء واجباتها تجاه الشعب التونسي، وعدم قدرتها على قيادة الدولة التونسية خلال المرحلة الانتقالية.

ثالثا؛ احتدم صراع المصالح الحزبية في تونس، بحيث أدى إلى حالة من الفوضى العارمة التي عمت القوى السياسية التونسية، في السلطة والمعارضة على حد سواء. في هذا السياق، يعتبر اختيار علي العريض لرئاسة الحكومة الجديدة، مؤشرا على تخوف الأحزاب التونسية من انزلاق الجانبين إلى صدامات في الشارع، بعد أن وصل الحل السياسي إلى طريق مسدود.

أما خزانة الدولة فشبه خاوية، وتبدو عاجزة عن تغطية التكاليف الإدارية المتزايدة، وحل مشكلات الفقر، والبطالة، والتعليم، والصحة، وانتشار سياسة الفساد والإفساد على نطاق واسع في الإدارات التونسية.

لذا كانت المطالبة بتشكيل حكومة نخبوية صغيرة، ملائمة في حال تم التوافق بين الجميع، بحيث تصبح الحكومة قادرة على انتشال البلاد من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.

نخلص إلى القول إن تونس تمر حاليا في أزمة حكم، نجمت عن استياء الشارع التونسي من تكالب القوى السياسية على السلطة، وضعف أداء الحكومة السابقة، وانتشار الفساد والإفساد على نطاق واسع، وكثرة الفضائح المالية والأخلاقية التي يتهم بها بعض الوزراء من أركان حركة النهضة الإسلامية.

ولم تقدم الحكومة أية حلول لتحسين ظروف المعيشة لدى التونسيين، وخلق المزيد من فرص العمل، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية في المناطق البعيدة عن المدن الكبرى، وتحقيق العدالة الاجتماعية في مجال العلم، والعمل، والسكن، وتولي الوظائف وغيرها.

وتشير الإحصائيات إلى أن البطالة أصابت نسبة كبيرة من شرائح المجتمع التونسي، خاصة الفقيرة والمتوسطة. ووفقا للبيانات الصادرة عن الحكومة التونسية، بلغ معدل البطالة 15% عام 2010، ثم ارتفع إلى أكثر من 20% في نهاية 2012. وتجاوز عدد العاطلين عن العمل المليون تونسي، كانوا يحلمون بتحسن أوضاعهم بعد نجاح الثورة.

ختاما، الوضع في تونس لا يحتمل المزيد من الانتظار لتشكيل حكومة إنقاذ. فهل تغلب القوى السياسية المتناحرة المصلحة الوطنية، وتتحلى بروح الوفاق والمشاركة في تشكيل حكومة إنقاذ وطني تلتزم بتحقيق أهداف الثورة، وفق برنامج سياسي لاستكمال مرحلة الانتقال الديمقراطي وإنجاز الدستور العصري وتنظيم انتخابات ديمقراطية، أم تعيد إنتاج الصراعات الدموية التي تهدد المجتمع التونسي في جميع مناطقه وشرائحه الاجتماعية؟

 

Email