سياسة مختلفة تماماً

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتمتع حكومة وشعب الإمارات من بين جميع شعوب العالم بصفة نادرة جدا: الحكمة في إدارة الأمور. والحكمة ليست عنصرا واحدا، ولكنها عبارة عن عدة مكونات. بكلمة أخرى، ليصبح الإنسان حكيما فإنه يحتاج إلى خلطة سحرية متنوعة من بعد النظر، والصبر والتحمل وعدم الاعتداء والاستماع أكثر من التحدث وعدم التصريح بما قد يضر وقد لا ينفع، وغيرها من الصفات التي تشكل صفة الحكيم.

 ولا ننسى بأن أول رئيس لهذه الدولة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد كان يطلق عليه (حكيم العرب) مع وجود العديد من الرؤساء العرب من هم أكثر خبرة في عالم السياسة والاقتصاد والعسكرية ووضع الاستراتيجيات الدفاعية. غير أن حكيمنا نجح حيث فشل الآخرون. وبالفعل، كما تكونوا يولى عليكم. لذا لا نستغرب من أن يسير شعب الإمارات على طريق حكامه.

الدول تأخذ الأمور في أحيان كثيرة بفلسفة (المعاملة بالمثل) والعدوان على حقوق الغير، فلمجرد طرد موظف صغير في سفارة دولة يقابله عاجلا طرد عشرين من سفارة الطرف الثاني، وتتأزم الأمور بين الدولتين.

وعندما يحتل شبر من دولة ما تقوم الحرب بين الدولتين ويموت الآلاف لاسترداد ذلك الشبر وفي أغلب الأحيان لا يسترد، ويخسر الطرفان الكثير من الأرواح والأموال وربما يتم احتلال مساحة إضافية من البلد المعتدي.

وهذا لا يعني أن دولة الإمارات قررت أن تسكت ولا تتصرف. غير أن صفة الحلم لديها هي الغالبة. ولم نسمع منذ قيام الاتحاد ولا حتى قبل قيامه دخول دولتنا في أي حرب مع أي دولة أخرى، بل تنازلت عن الكثير للإبقاء على علاقة الاستقرار مع جيرانها.

ولم نسمع أن أريقت قطرة دم واحدة لرد حق من الحقوق، رغم وصول بعض النزاعات إلى درجة غير محتملة ورغم إمكانيات الدولة الهائلة من القوة العسكرية والاقتصادية ما يمكنها من الدفاع عن نفسها واسترداد حقوقها ورد اعتبارها. غير أن الحكمة الإماراتية تمنع ذلك.

الإمارات حكومة وشعبا يؤمنون بأن الحقوق ترد بالكلمة الحسنة وبالحوار وبالصبر وعدم التهور. العصبية لا تعيد حقا ولا تصلح خرابا. الكل يعلم بأن هذه الدولة فتحت أبوابها للجميع. بل سهلت عملية الدخول إليها رغم ما يترتب على هذه السياسة من آثار اجتماعية وسكانية واقتصادية وبيئية سيئة.

وكان بإمكان دولة الإمارات غلق أبوابها أمام من تشاء من الجنسيات دون أن يحاسبها أحد. وربما حظي الأوربيون والدول الغربية عموما بأفضل ما يمكن تقديمه من المعاملة الحسنة، رغم أن أبواب هذه الدول موصدة أمام مواطني الدولة رغم صحيفتهم البيضاء.

فلأجل أن تحصل على تأشيرة سياحية إلى دولة أوروبية، يتحتم عليك تقديم كومة من المستندات والإجراءات، تبدأ من حجز موعد للتقدم بطلب التأشيرة ومن ثم وجوب تقديم ما يثبت حجوزات تذاكر السفر ذهابا وإيابا وحجوزات الفنادق بدءا من تاريخ الوصول إلى تاريخ المغادرة والتأمين الصحي وصلاحية جواز سفرك لمدة لا تقل عن 6 شهور مع صور شخصية شريطة أن تكون حاسر الرأس، وتقديم الطلبات بكل التفاصيل ثم الانتظار حتى تكون النتيجة إيجابية وقد تكون سلبية.

وإن كنت في حالة طارئة، فمن الأفضل أن تجد لنفسك وجهة سياحية أخرى. مع أن الأوروبيين يعلمون جيدا أن الوضع المادي والأمني والاجتماعي الممتاز للمواطن الإماراتي لا تضطره إلى الهجرة أو العمل في دولة أخرى. كما أن المواطنين لا يذهبون إلى هناك إلا لغرض السياحة أو العلاج أو الدراسة.

مع كل ذلك، لم ترد دولة الإمارات على المعاملة بالمثل. وصبرت بحكمة وناقشت بتعقل وأقنعت الطرف الآخر بعد صبر طويل. مع أننا نحن الخاسرون في هذه الصفقة وهم الرابحون! حيث تتحول مليارات دراهمنا إلى دولارات ويوروهات تصب أخيرا في فنادق ومطاعم ومواصلات ومنتجات تلك الدول.

ومع أنني مع فرض بل مضاعفة العراقيل للحصول على تأشيرة الشنغن للتقليل من الخسائر ولتشجيع السياحة الداخلية ولتحويل أنظار المواطنين إلى وجهات سياحية عالمية جديدة، لكنني فخور بأن تتحلى دولة الإمارات بالحكمة وضبط النفس لتحقيق غاياتها. وهناك قضايا أخرى عالقة، ما زالت دولة الإمارات تسعى لحلها بالحكمة والقانون والصبر.

وهكذا تنجح الدول في الحفاظ على استقرارها وأمنها وعلاقاتها الخارجية...

 

Email