هل ورط الإخوان أنفسهم؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتقد البعض بأن المصريين قد ورطتهم ثورتهم. وأن تعب شباب الثورة قد سرق منهم وتحولت الثورة إلى عصبية قبلية. وأن من تولى قيادة هذه الجمهورية بعد عقود من الحكم الاستبدادي، رجال دين مستبدون يعيشون في عالم آخر.

وهناك من يرى، على العكس تماماً، بأن الحاكم الجديد إنما جاء بأمر الله وأنه قدر وأنه جاء ليحق الحق وينصف المظلومين ويعيد هذا البلد إلى المسار الصحيح الذي خرج عنه بعد أن عانى شعبه من الفساد والدكتاتورية والبعد عن الدين.

في واقع الأمر، فإن لكل طرف في المسألة، قضية ومصلحة. وهذه هي إشكالية العالم الثالث. حيث تتحول المسائل التي تخص الوطن ومستقبله إلى قضايا ومصالح خاصة بشخص أو بحزب أو بمجموعة. ويتم شطب الوطن ككل. ولم نعرف على مدى التاريخ شعباً أو مجتمعاً نجح في مشروع وطنه عندما حول هذا الوطن إلى مصلحة وقضية خاصة به دون غيره.

صحيح أنه لا بد من ربان واحد للسفينة، غير أن هذا القائد لن يصل إلى البر إن لم يعتمد على استشارات وقدرات كل من يعمل معه على ظهر السفينة. وفيما لو أن هذا الربان ألقى بكل من اختلف معه في البحر لغرقت السفينة بمن فيها.

الأمر الآخر، أنه لم نسمع عن ثورة أتت أُكلها في اليوم التالي ولا حتى في العقد التالي. الثورات عندما تبدأ عادة لا تنتهي. ومن ادعى بأن الثورة الفرنسية انتهت عندما تدحرج رأس الملك لويس السادس عشر في ساحة الكونكورد، فقد جانب الصواب.

الفرنسيون بعد 224 عاماً ما زالوا في ثورة مستمرة. ولو قرأنا تاريخ الثورة الفرنسية منذ أن قامت عام 1789 حتى وصول الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند عام 2012، لاكتشفنا أن هذا الشعب مر بسلسلة من الثورات الشعبية العارمة، وبجمهوريات حتى وصلت إلى خمس جمهوريات.

وأن الحكام الذين توالوا على عرش فرنسا تناوبوا من بين كل الأحزاب الرئيسية، والاضطرابات الطلابية والعمالية لم تتوقف. ومن المعروف أن الطفل الفرنسي يولد وفي فمه ملعقة ثورة على النظام القائم. إذن فهي ظاهرة طبيعية جداً.

والمصريون لن يستثنوا من هذه الظاهرة. وهي ظاهرة تشبه عملية الغربلة المستمرة. غير أنه من سوء حظ الإخوان المسلمين أنهم أول من حكم بعد الثورة، وأصبح الشعب المصري يطالبهم في اليوم التالي بإصلاح (في مهلة ستة أشهر) ما أفسده حكم استمر 30 عاماً، بل حكم استمر 60 عاماً، أي منذ سقوط الملكية عام 1952. تماماً كما تطلب من تلميذ في سنة الروضة الأولى أن يقوم بعملية جراحة قلب مفتوح!

نقول، من سوء حظ الإخوان أنهم استعجلوا الأحداث وفرحوا بالنصر وقرروا تغيير عقلية المصريين في شهرين واختاروا أن يضعوا أنفسهم أمام فوهة المدفع التي تشكل أكثر من نصف الشعب المصري ممن ليس فقط يختلفون معهم في أسلوب الحكم، بل في كل صغيرة وكبيرة وينوون الإطاحة بهم عاجلاً أو آجلاً. وهذا ما سيحصل بالتأكيد. وكما لم نسمع بأن من يحكم بعد الثورة مباشرة يطول زمنه، فإن زمن الإخوان لا يبدو مبشراً على الأقل في الوقت الحاضر. فقد وضعت المعارضة كل عصيها في دواليب عربة الأخوان التي توشك على التدهور.

مصر تحتاج إلى فترة نقاهة، وإلى مداواة جراحها التي طال عليها المرض منذ عقود. ولا ننتظر من حاكم سواء أكان من الإخوان أو من المعارضة أن ينجح في سياسة الإصلاح ولا بعد قرن ما دام الآخر يقف في وجهه كالبعبع ويهاجمه في كل صغيرة وكبيرة وربما بنية حسنة، غير أن مصر لن تتعافى بهذه الطريقة.

الطرفان مطلوب منهما الوقوف جدياً أمام الأوضاع البائسة والمعاناة التي يعيشها المصريون. هناك شعب في حاجة إلى لقمة عيش وإلى أمن واستقرار نفسي. المصريون اليوم في غنى عن فتاوى بعض العقليات المتأخرة عن الزمن والتي لا تشبع ولا تغني عن جوع، بل إلى فكر سليم يخطط ويد تعمل وإلى حكمة تضيء لهم الطريق. مصر تجمع على أرضها ديانات مختلفة وفلسفات متنوعة وتاريخ متناقض، ولا يمكن حكمها بالسيف والرمح والصراخ والتهديد. مصر تنقصها الحكمة. وإن لم تجدها، فقد ضلت.

 

Email