الأزمة السورية ومرحلة الحل السياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تدخل الأزمة السورية عامها الثاني في ظروف إقليمية ودولية تشير إلى أن الحل العسكري، على مستوى النظام والمعارضة، بات في طريق مسدود. فكان من الطبيعي أن تتجه أنظار السوريين، وفي الدول العربية والإسلامية والدول الكبرى المعنية بالأزمة السورية، إلى البحث عن حلول سلمية تضمن وحدة سوريا أرضاً وشعباً ومؤسسات، وتحافظ على دورها في مواجهة المشروع الاستيطاني الصهيوني الذي كاد يبتلع جميع أراضي فلسطين. وقد بدأت حكومة نتانياهو الجديدة باستغلال أراضي منطقة الجولان السوري المحتلة، والسعي لإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية.

لكن الخروج من حرب دموية مستمرة في سوريا بوتيرة عسكرية متصاعدة منذ قرابة السنتين، ليس بالأمر السهل. فما زال طرفا الصراع في السلطة والمعارضة يخوضان حرب إلغاء متبادل، بعد أن أقاما شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية تضمن وصول الإمدادات العسكرية إلى الجانبين لسنوات طويلة. وقد أودت الحرب حتى الآن بحياة أكثر من ستين ألف سوري، ومائتي ألف جريح ومقعد، وقرابة ثلاثة ملايين مشرد داخل سوريا وخارجها، ودمار هائل.

شهدت الأزمة السورية عشرات المؤتمرات والملتقيات الداعمة لكل من المعارضة والنظام، ومواقف متشنجة من أطراف إقليمية ودولية عدة. ونتيجة لذلك انقسمت الدول الكبرى بين مساعد للنظام وأخرى مساندة للمعارضة، وتعطل دور مجلس الأمن في إصدار القرارات، بعد أن استخدمت كل من روسيا والصين الفيتو مرتين لحماية النظام من السقوط تحت وطأة المقاومة العسكرية.

فبدأ البحث عن حلول سلمية للأزمة السورية، تضمن تحقيق إصلاحات جذرية تعبر عن رغبات الشعب السوري في الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتنمية البشرية والاقتصادية المستدامة.

كانت تصريحات الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، متشائمة جداً، وأكد مراراً أن الوضع في سوريا يزداد سوءاً. لكن المفاجأة كانت في تحول موقف المعارضة السورية، بعد عامين من المواجهات العسكرية التي خاضتها المعارضة لإسقاط نظام الأسد عسكرياً، بدعم عربي ودولي.

فقد طالت حرب التدمير، وتنبهت المعارضة إلى صعوبة الإطاحة بالنظام اعتماداً على قواها الذاتية، بعد أن تأكدت من عدم رغبة الدول الإقليمية والكبرى في خوض معركة إسقاط النظام السوري على الطريقة الليبية.

فتركيا، والولايات المتحدة، والدول الغربية، ليست مستعدة حتى الآن لخوض معركة عسكرية مباشرة ضد النظام السوري، لأسباب موضوعية أبرزها خشية حصول انفجار كبير يطال جميع دول الشرق الأوسط، وينزل بالاقتصاد العالمي المأزوم خسائر فادحة..

في مطلع فبراير 2013 برزت مؤشرات إيجابية لمصلحة الحل السلمي للأزمة السورية، فأعلن معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، قبوله بالجلوس مع ممثلين عن النظام السوري، حقنا لدماء السوريين. على الفور، رحبت معارضة الداخل السوري بإعلان موقف الخطيب الجديد من النظام، واعتبار الحوار المخرج الوحيد للأزمة. وفي تطور لاحق، اجتمع الخطيب مع وزيري خارجية كل من روسيا وإيران في مؤتمر ميونيخ للأمن، وهو أول اجتماع مباشر له مع مسؤولين بارزين من هاتين الدولتين.

 فأكد اللقاء أن باب الحوار قد فتح لحل الأزمة السورية بالطرق السلمية، وسرعان ما رحب الأمين العام لجامعة الدول العربية بموقف المعارضة السورية لفتح حوار مع النظام، للاتفاق على ترتيبات المرحلة الانتقالية، وأمل تجاوب الحكومة السورية مع دعوة المعارضة للحوار في إطار إعلان جنيف، مؤكداً ضرورة الاستفادة من أي فرصة متاحة لكسر دائرة العنف، وحقن دماء الشعب السوري، ووضع الأزمة المستعصية على مسار الحل السياسي، وإحداث تغيير حقيقي يعبر عن التطلعات المشروعة للشعب السوري.

وكانت الأزمة السورية، من جديد، قد فرضت نفسها بقوة على جامعة الدول العربية، بعد أن دعت القمة الإسلامية الثانية عشرة التي عقدت في القاهرة يومي 6 و7 فبراير 2013، إلى بحث التحديات الخطيرة التي تواجه دول منظمة التعاون الإسلامي، رغم أنها جمدت عضوية سوريا في مؤتمرها السابق الذي عقد في مكة المكرمة في أغسطس/ آب 2012..

فأيدت القمة الجهود المبذولة لحل الأزمة في سوريا، وأكد قادتها في بيانهم الختامي، دعمهم لمبادرة الرئيس المصري محمد مرسى بتشكيل لجنة رباعية، تضم مصر والسعودية وإيران وتركيا، للبحث في حل سياسي للأزمة السورية.

وركز البيان على وحدة الأراضي السورية، والحوار الشامل بين الأطراف السورية المختلفة، والاستجابة لأي جهد من أي دولة عضو تشارك في حوار يفتح الطريق أمام عملية انتقالية وتحول ديمقراطي في سوريا.

ودعا البيان إلى بذل المزيد من الجهود للحفاظ على وحدة أراضي سوريا، وتجنيبها خطر التدخل العسكري الأجنبي، والحرص على أن تشارك في المبادرات السياسية كافة أطياف الشعب السوري، دون إقصاء أي منها على أساس عرقي أو ديني أو طائفي.

كما طالب البيان الأطراف الإقليمية والدولية المعنية، بالتوصل إلى تسوية للأزمة السورية تحقق تطلعات شعبها إلى مستقبل أفضل، ودعا المعارضة إلى الإسراع في اتخاذ الخطوات اللازمة استعداداً لتحمل المسؤولية السياسية بكافة جوانبها.

وأعلنت القمة مجدداً تأييدها لاستمرار جهود المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، معربة عن قلقها من عجز مجلس الأمن عن القيام بمسؤولياته في ظل جمود التحركات الدولية إزاء المسألة السورية في المرحلة الراهنة.

ختاماً، فتحت القمة الإسلامية مسيرة حل سياسي للأزمة السورية يمكن أن يتبلور بوتيرة تدريجية، لكن العنف الدموي الذي تمارسه قوى السلطة والمعارضة ما زال مستعراً، وليس هناك ما يشير إلى قرب توقفه.

ويلاحظ أن جامعة الدول العربية التي عجزت عن معالجة الأزمة السورية بمسؤولية وطنية وقومية، وبأسلوب عقلاني وغير إقصائي، راجعت موقفها تحت تأثير مقررات قمة منظمة التعاون الإسلامي، وسارع أمينها العام إلى تصويب موقفها من الأزمة السورية، بعد أن فشلت في وقف العنف والتدمير طوال السنتين الماضيتين.

وتأمل كل من جامعة الدول العربية، والقمة الإسلامية، وحلفاء سوريا، أن تنجح الجهود المشتركة في كسر جدار الرفض المتبادل بين المعارضة والنظام السوري، وفتح الباب أمام حوار وطني شامل لحل الأزمة، وتحقيق التغيير الديمقراطي المطلوب عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، ووقف العنف بكل أشكاله لإنقاذ الشعب السوري من جحيم القتل والقتل المضاد.

 

Email