الأزمة السورية والصمت الإسرائيلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُلاحَظ ظاهرة تثير الاهتمام، وربما تثير الريبة، وهي غياب السياسة الإسرائيلية (المعلنة) عن الأزمة السورية، وندرة المحللين الذين يشيرون إلى هذه السياسة أو يأخذونها في اعتبارهم، وحتى الصحف الإسرائيلية لا تهتم كثيراً بهذه الأزمة، وإن تناولتها تمر عليها مروراً عابراً، وكأن إسرائيل لا علاقة لها بشؤون المنطقة، على خلاف عادتها.

حيث تتدخل سراً وعلانية في كل صغيرة وكبيرة. فهل تحولت السياسة الإسرائيلية، بعدوانيتها المعروفة وصلفها المشهود، إلى سياسة تنغلق على نفسها، ولا تحسب حساباً لما يجري حولها؟ لا أحد يظن ذلك، بدليل التجربة التاريخية، والصخب الإسرائيلي تجاه سعي إيران لتخصيب اليورانيوم، فهل أدارت إسرائيل حقاً ظهرها للشأن السوري، خاصة وأن سوريا كانت دائماً تشكل هاجساً للأمن الإسرائيلي؟

وإن لم يكن الأمر كذلك، فما أسباب عدم اهتمام السياسة الإسرائيلية (الظاهرية) بالشأن السوري؟ وهل لديها بدائل فعلية (وسرية) لا نعرفها؟

من البديهي أن السياسة الإسرائيلية منذ قيام إسرائيل، تهتم بكل تطور صغير أو كبير في دول المنطقة، ليس فقط التطور العسكري أو الأمني، بل أيضاً التطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي، ناهيك عن التطور السياسي. ولعله من الخطأ السياسي، بل «العمى السياسي» ألا يبحث السياسيون والمحللون والمراقبون عن الدور الإسرائيلي.

وعن أسباب الصمت الحالي، فإسرائيل لاعب هام، إن لم يكن الأهم في المنطقة، وهي واحدة من القوى الإقليمية الثلاث الرئيسة ذات الشأن (إسرائيل، إيران، تركيا)، التي تتسابق على تحقيق هيمنة أو شبه هيمنة على المنطقة أو على جزء منها، في انتظار أن تقوم «القوة الإقليمية العربية» وتسد الفراغ.

وما دام ذلك كذلك، يحق التساؤل مرة أخرى عن أسباب خمود السياسية الإسرائيلية، خاصة أن إسرائيل تتحين الفرص دائماً لتحقق كسباً استراتيجياً أو تكتيكياً. وبداهة أن رغبة إسرائيل هي تدمير سوريا، والقضاء على إمكانية أي خطر قد يأتي منها، وإزالة أي خطر منها.

أعتقد أن أسباب الصمت الإسرائيلي، وتنحي السياسة الإسرائيلية عن التدخل المباشر، تعود لواحد من اثنين، الأول هو أن إسرائيل تعرف أكثر من أي طرف آخر شؤون المنطقة وواقعها وظروفها، سواء ما يتعلق بإمكانات المعارضة السورية، ونوع الحراك الشعبي، كما تعرف أيضاً إمكانات السلطة السورية، ونهجها ووجهات نظرها، وتتوقع سلوكها تجاه الحراك الشعبي والثورة.

وبالتالي، فإنها كانت تعرف منذ البدء أن صراع المعارضة مع النظام سيؤدي إلى تدمير سوريا، أو إزالة خطر دولة جديدة من أمام إسرائيل، كما أزيل خطر العراق وليبيا، وتقدر في ضوء معرفتها ومعلوماتها، صعوبة حسم أي من الطرفين للصراع حسماً عسكرياً.

وبالتالي سوف يطول الصراع، ويتنامى معه التدمير، وعليه فمن الأفضل أن تصمت السياسة الإسرائيلية، وتترك أمر إنهاك سوريا ينضج بأيدي السوريين أنفسهم. ولعل هذه السياسة كانت تتوقع أن السلطة السورية لن تتخلى عن امتيازاتها، ولن تقبل تسوية تاريخية مع المعارضة، وأن المعارضة السورية لن تتراجع عن المطالبة بحقوقها، وبالتالي، فلا بد أن الصراع سيطول لينتهي إلى تدمير البلاد.

أما الاحتمال الثاني، فهو أن السياسة الإسرائيلية طالبت السياسة الأميركية، عندما رغبت منها هذه الأخيرة عدم التدخل، وربما عندما أوحت لها بأنها ستعمل على إسقاط النظام، وربطت موافقتها بشرط أن يتم تدمير سوريا تدميراً كلياً، قبل إسقاط النظام، وقبلت الإدارة الأميركية بهذا الشرط الإسرائيلي.

إنه لمن السذاجة عدم الانتباه للصمت الإسرائيلي، فلم تكن السياسة الإسرائيلية طوال تاريخها صامتة على ما يجري في المنطقة، أو حيادية تجاهه كما هي الآن، ولعل أحد السببين السابقين، يفسر هذا الصمت، حيث تتحقق الأهداف الإسرائيلية دون أن تتحمل إسرائيل أي عبء.

إن اللافت للانتباه، هو تجاهل السياسيين في سوريا والمنطقة كلها لدور إسرائيل، وكأنها لاعب ثانوي في قضية أساسية وحساسة ذات علاقة بأمن إسرائيل ومستقبلها، حتى إن بعضهم نسي تماماً دور اللاعب الإسرائيلي واهتماماته، وانعكس هذا الأمر على الرأي العام الشعبي في سوريا والمنطقة، بحيث لم يعد أحد يتذكر الدور الإسرائيلي، وكان من الأولى بكل الأطراف، الإشارة دائماً إلى اللاعب الإسرائيلي.

وتفحص دوره السلبي. إنه من نافل القول، أن الاستكانة تجاه موقف إسرائيل، واعتبار صمتها لا مبالاة أو عدم اهتمام، هو خطأ كبير، وينبغي دائماً تذكر أن إسرائيل من اللاعبين الأساسيين في المنطقة، وأن سرية الممارسات الإسرائيلية لا تلغي الدور الحقيقي والفعالية السياسية، والاهتمام الشديد بما يجري في سوريا، وفي غيرها من دول المنطقة.

إن التدقيق في المواقف الإسرائيلية تجاه دول المنطقة وأحداثها، يؤكد أنها تصمت أو تعمل، بالسر أو العلن، ضمن رؤية استراتيجية ومواقف تكتيكية خبيثة. فقد استكانت للرأي الأميركي عام 1956 وانسحبت من سيناء وغزة، لأنها لو لم تفعل ذلك لحدث شرخ في علاقتها مع إدارة الرئيس أيزنهاور، وأقامت الدنيا ولم تقعدها عند محاولة العرب منع تحويل نهر الأردن، وأثارت مع حليفتها الأميركية الرأي العام العالمي.

وصرخت بالشكوى (الكاذبة) قبيل عدوان يونيو (1967)، زاعمة أن عبد الناصر سيدمرها. وذرفت دموع التماسيح خلال وبعد حرب 1973، ولم تتورع عن غزو لبنان وحصار بيروت عام 1982، والعدوان على لبنان عام 2006، وعلى غزة عام 2008، وجأرت بالصراخ المسعور بسبب محاولة إيران تخصيب اليورانيوم.. ولهذا، فلا بد من سبب خفي يفسر سكوتها عما يجري في سوريا، وهذا ما يجب بحثه والتوقف عنده.

 

Email