نحو تصويب مسار الثورة في مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

تولت جماعة الإخوان المسلمين السلطة في أعقاب نجاح ثورة 25 يناير 2011 في مصر، فحاول قادتها إجراء تغيير جذري في اتجاه رؤيتهم الخاصة لحكم الشريعة الإسلامية في بنية النظام السياسي القديم، بما يضمن استمرارهم في الحكم لعقود طويلة.

وتوهموا أن نسبة التأييد التي حصلوا عليها في الانتخابات النيابية والرئاسية، والتي لم تتجاوز 30% من أصوات الشعب المصري، تكفي لإحداث ذلك التغيير. لذلك رفضت الحوار مع المعارضة بجميع فصائلها، وهمشت شباب الثورة الذين يصرون على تحقيق أهدافها كاملة، وتنكرت لمطالب الجماهير الشعبية في الحرية، والعدالة، وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.

في الذكرى الثانية للثورة تصرفت جماعة الإخوان بثقة كبيرة بالنفس، وكانت على قناعة بأن جماهير مصر لن تنتفض ضد حكمها، بل ستجبر مرغمة على قبول جميع التغييرات الجذرية التي أدخلت الرعب في قلوب شرائح واسعة من الشعب المصري، خاصة القضاة، والشباب، والنساء، بالإضافة إلى المعارضة المنظمة.

وقد دعا الرئيس مرسي المصريين للتمسك بالمبادئ النبيلة للثورة المصرية في التعبير عن الرأي بحرية، ونبذ العنف بكل أشكاله، وحذر المخلين بالأمن لأن الدولة لن تتوانى عن ملاحقة المجرمين. ودعت جماعة الإخوان جماهيرها للتوجه نحو الأرياف وأحياء المدن للقيام بحملات النظافة، وزرع الأشجار، وطلاء المدارس، وتنظيف الأماكن العامة، وإظهار الوجه الحضاري للشعب المصري حين يحتفي بالثورة في عامها الثاني. وشددت بيانات الجماعة على أن مظاهرات المعارضة في شوارع المدن المصرية تنم عن إفلاس سياسي، وأنها محاولة للانقلاب على حكم الشريعة الذي بدأ يترسخ على أرض مصر بفضل التغييرات الجذرية التي أطلقها الرئيس مرسي وأزعجت نسبة كبيرة من المصريين، على اختلاف توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الدينية.

بدوره، رد المرشد العام للإخوان المسلمين على الاتهامات الموجهة للجماعة في الذكرى الثانية للثورة، بدعوة الشعب المصري إلى تغليب الصالح العام على الخاص، والتنافس في حب مصر عن طريق البناء، والإصلاح، والوحدة، والتضامن، والقبول بإرادة الجماهير الشعبية التي أولت مقاليد السلطة إلى الإخوان عبر انتخابات برلمانية ديمقراطية وشفافة.

هكذا توهمت قيادة الجماعة أن جماهيرمصر ستبايع الإخوان مجددا في الانتخابات البرلمانية المرتقبة، والتي ستعتبر بمثابة استفتاء على الإصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية التي قامت بها الجماعة في العامين المنصرمين. وأكد قادة الجماعة أن زمن التظاهر قد انتهى، وأن الدولة المصرية ستتصدى للمخلين بالأمن، وفق الأسلوب القمعي الذي مارسه الرئيس مبارك.

ردت المعارضة بمظاهرات مليونية في مواجهة القمع الدموي المتجدد، واستعاد الإخوان قانون الطوارئ وإعلان منع التجول، لمنع الشعب المصري من التعبير عن رأيه بحرية. فتزايد عدد الشهداء حتى تجاوز الأربعين شهيدا ومئات الجرحى، وآلاف المعتقلين. واستعاد المشهد السياسي في مصر صورة الأيام الأولى لثورة 25 يناير وما رافقها من قمع، وإرهاب، وقتلى، واعتقالات، في ظل قانون الطوارئ سيئ الذكر.

لقد تناست جماعة الإخوان أن الشعب المصري كسر حاجز الخوف إلى غير رجعة، وأن استعادة قانون الطوارئ ينم عن ضعف شديد من جانب سلطة سياسية فقدت شرعيتها بسرعة قياسية، فور سقوط أول شهيد طالب مجددا بالحرية في أي من ميادين مصر. وأكد حجم المعارضة التي ملأت ميادين مصر، على انعدام الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع. على العكس من ذلك، بدت جماهير مصر غاضبة، وأكثر إصرارا على منع جماعة الإخوان من الاستمرار في مخططها الرامي إلى أخونة الحكم وإرجاع مصر عشرات السنين إلى الوراء، بعد أن ضربت عرض الحائط بجميع القوانين السائدة والمؤسسات القيمة عليها، خاصة مؤسسة القضاء المصري المشهود لها بالنزاهة، والجرأة، والشجاعة في قول الحق، ومساندة المطالب المشروعة للشعب المصري.

إن متابعة أحداث مصر منذ بدء الاحتفالات بالذكرى الثانية لانتصار ثورة يناير، وما وصلت إليه الأمور من صدامات يومية، وإحراق لمقرات الإخوان وهم في رأس السلطة، وتزايد عدد الضحايا بين المتظاهرين، تؤكد جميعها إصرار شعب مصر على تقديم المزيد من التضحيات البشرية والمادية، من أجل استمرار الثورة حتى تحقيق أهدافها الأصلية. لذلك انتشرت على نطاق واسع شعارات تقول بأن الثورة الحقيقة لم تقم بعد، وأن أيا من الأهداف التي أعلنها شباب مصر في بداية الثورة لم يتحقق حتى الآن، وأن الثورة تعرضت للسرقة على أيدي جماعة الإخوان التي تفردت بالسلطة، ومارست الحكم بالطريقة التي كانت معتمدة قبل نجاح الثورة.

وتطورت الاحتجاجات المليونية التي تفجرت في الذكرى الثانية للثورة، بوتيرة متصاعدة إلى أن حاصرت مقر رئاسة الجمهورية. وقد استعادت الثورة ديناميتها وقدرتها على الاستمرارية والتجدد، وارتفعت مجددا شعارات: ارحل.. ارحل، الشعب يريد إسقاط النظام، نريد استرجاع الثورة واستكمالها، لا لحكم الإخوان، يسقط.. يسقط حكم المرشد، وكثير غيرها.

من جانبها، قدمت جبهة الإنقاذ الوطني، وهي التجمع الأكبر لأحزاب المعارضة في مصر، برنامجها الإصلاحي بمناسبة الذكرى الثانية للثورة. وأبرز نقاطه: التأكيد على حيوية الثورة واستمراريتها، وإنجاز دستور جديد بمشاركة جميع المصريين لبناء نظام ديمقراطي في دولة مدنية، والقصاص العادل لشهداء الثورة ومصابيها، ومنع أخونة الدولة، وإنجاز تنمية اقتصادية حقيقية، وتحقيق مبدأ المواطنة ونبذ التمييز، واحترام حقوق المرأة المصرية، وتوفير فرص عمل للشباب، وتأمين ضمانات حقيقية لانتخابات حرة ونزيهة تسمح للشعب المصري باختيار نوابه بحرية تامة، على قاعدة أن الشعب مصدر شرعية جميع السلطات.

ختاما، عندما تنكر الرئيس مرسي وجماعة الإخوان لأبسط مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي طالب بها مفجرو الثورة المصرية في بداياتها، واجهوا معارضة شعبية عنيفة ملأت مجددا ميادين مصر حتى وصلت إلى محاصرة القصر الرئاسي، ومطالبة الرئيس مرسي بالرحيل، وفشلت جماعة الإخوان في إعادة مصر إلى زمن قانون الطوارئ ومنع التجول، عبر استخدام المزيد من العنف، وقدم شباب مصر عشرات الشهداء ومئات المصابين في ميادين الحرية.

وبعد أن كادت الاشتباكات تشعل وسط القاهرة، حذر الجيش المصري من انهيار الدولة، فتم التوقيع على اتفاق في الأزهر بين السلفيين وجبهة الإنقاذ، للخروج من دوامة الصراعات الداخلية التي تسببت فيها قرارات الرئيس مرسي وأعوانه. فهل دخلت مصر في عامها الثاني للثورة مرحلة إسقاط تفرد الإخوان في الحكم لتصويب مسار الثورة واستكمال مهماتها؟

 

Email