فلسطين وخرافة «حل الدولتين»

ت + ت - الحجم الطبيعي

«اخترنا خيار السلام. ولن نتخلى عنه». هذا أحدث تصريح يصدر عن قيادة السلطة الفلسطينية.. وقد ورد على لسان عزام الأحمد أحد أقطاب فصيل "فتح" الذي تتبع له السلطة. التصريح يعكس بالطبع موقفاً ليس بالجديد.

لكنه مع ذلك كان لافتاً لأنه صدر على خلفية معركة الانتخابات النيابية في إسرائيل التي جرت أخيراً لأنه يوحي بأن القيادة الرسمية الفلسطينية يحذوها أمل بأن تفرز هذه المعركة انتصاراً لحزب ترغب قيادته في استئناف العملية التفاوضية مع الجانب الفلسطيني على أساس "حل الدولتين". فهل كان استشعار ذلك الأمل مبرراً بأي حال من الأحوال بما يثبت "خيار السلام" لدى فتح والسلطة والإصرار على عدم التخلي عنه؟ ي

نبهنا معلق صحافي بريطاني بأنه منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة قبل 44 عاماً (ابتداءً في عام 1967) لم تبد أي حكومة إسرائيلية أدنى استعداد لتقبل حقيقة أن وجودها هو وضع قوة احتلالية على أرض استولت عليها إسرائيل عبر حرب وبالتالي تكون على استعداد للانسحاب من هذه الأرض وفقاً لمبادئ ونصوص القانون الدولي وتسليمها إلى دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة تكون إسرائيل قد وافقت على إنشائها.

هناك بالطبع خلافات في الرؤية بين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. لكن الاختلاف في مواقف هذه الحكومات خلال العقود الزمنية الأربعة الأخيرة كان ولايزال خلافاً في التفاصيل وليس في طبيعة العلاقة بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال. والموقف المبدئي الذي يجمع بين رؤى كل الأحزاب الإسرائيلية هو أن الأرض المحتلة ملك خالص لإسرائيل.

وما عدا ذلك من خلاف هو في الحقيقة خلاف ثانوي حول تفاصيل. فبعض الأحزاب الإسرائيلية تطرح ضم الأرض الفلسطينية بالكامل بينما تطرح أحزاب أخرى مشروع الضم بطريقة التمويه كأن تسميه "إدارة". لكن الجميع يقرون ويدعمون "حق" اليهود الإسرائيليين في الاستيطان في الأرض المحتلة وكانوا ومازالوا ينفقون بسخاء على خطط التوسع الاستيطاني.

وهكذا فإن حكومة حزب العمال التي بقيت في السلطة حتى عام 1977 هي التي ابتدرت بناء المستوطنات بعد الاحتلال. ثم جاءت حكومة الليكود وشرعت في بناء مستوطنات في كل أنحاء الضفة الغربية على نطاق أوسع مما تضمنته ما يطلق عليها "خطة ألوان" التي وضعها حزب العمال.

مع ذلك طرأت مشكلة واجهت ولاتزال تواجه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. ولم تكن المشكلة ما إذا كان يجوز السماح للمواطنين الإسرائيليين بالاستيطان أم لا وإنما المعضلة هي ماذا نفعل تجاه الفلسطينيين المقيمين في أرضهم. فهل يوكل أمر حكمهم إلى الأردن تحت مسمى نظام كونفيدرالي أم يمنحون نوعاً من الحكم الذاتي المستديم؟ وإلى أي مدى يسمح لهم بممارسة سلطة الحكم الذاتي؟

على نحو ما عولجت هذه التساؤلات في اتفاق أوسلو الذي جرى التوقيع عليه بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات في عام 1993 الأمر الذي أدى على الصعيد التطبيقي إلى إراحة إسرائيل من عبء إدارة الشؤون المدنية للفلسطينيين بينما تبقى الأرض المحتلة تحت السيادة الإسرائيلية وسيطرة إسرائيل بالكامل على الحدود.

وهكذا حددت اتفاقية أوسلو الطبيعة الاستعمارية بين إسرائيل والفلسطينيين المقيمين في الضفة وقطاع غزة. من وجهة النظر الإسرائيلية فإن علاقة إسرائيل من الأرض المحتلة ليست في كونها أي إسرائيل قوة احتلالية وقتية وإنما في كونها نظام حكم استعماري تتولى قواته الأمنية السيطرة العسكرية لقمع أي مقاومة للوضع القائم.

وهكذا فإن إسرائيل تنفرد بكل الثمار التي يوفرها حكم استعماري بما في ذلك استغلال موارد الأرض والماء والمواقع الأثرية التاريخية ومنع الفلسطينيين من ممارسة عمليات بناء في غير المساحات الأرضية المخصصة لهم. وتتحكم السلطة الاستعمارية أيضاً في دخول وخروج الفلسطينيين عبر الحدود فلا يتحركون إلا عبر موانئ إسرائيلية. تأسيساً على ذلك كله نعود إلى التساؤل المطروح: هل هناك أي مبرر لأن تستشعر قيادة السلطة الفلسطينية درجة من الأمل تجاه أي عملية انتخابية إسرائيلية؟

لقد كانت الأحزاب الإسرائيلية كافة تتبارى في التزلف إلى جمهور الناخبين بوعودهم في ضم الأرض الفلسطينية إلى إسرائيل نهائياً وفي استمرار حركة التوسع الاستيطاني إلى أجل غير مسمى في إطار خطة تلو خطة.

على المستوى الشعبي لم تبد فئات وقطاعات الشعب الفلسطيني أي اهتمام بالصراع الانتخابي في إسرائيل. ويعيد المعلق البريطاني إلى أذهاننا صورة جنوب إفريقيا قبل انتهاء عهد الفصل العنصري.

فالغالبية الساحقة من السود لم يكونوا يعيرون أي قدر من الاهتمام للعمليات الانتخابية التي كانت تجرى في عهد حكم الأقلية البيضاء العنصرية. فطالما بقيت أيدولوجية الفصل العنصري بين السود والبيض فإن الحزب الفائز في الانتخابات يكتفي بإجراء تغييرات شكلية في سياق العلاقات بين السكان البيض والسكان السود لكن نهج الفصل العنصري يبقى دون أدنى تغيير.

ماذا يمكن أن نستخلص من ذلك؟ أنه في كل الأحوال ليس استخلاصاً نظرياً متبطلاً. فما كان للأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا أن تنجح في تصفية النظام العنصري الاستيطاني نهائياً إلا بتبني نهج المقاومة المسلحة.

وهنا نجد على صعيد قضية المصير الفلسطيني "سوء فهم" بالمعنى المسرحي. فبينما تردد القيادة الفلسطينية التمسك الأبدي بما تسميه "خيار السلام" فإن الإسرائيليين يجمعون قيادات وفئات شعبية على أن الأرض الفلسطينية المحتلة هي في الحقيقة مِلك لإسرائيل.

 

Email