إسرائيل المقبلة أكثر عدوانية وتطرفاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

على عكس ما خطط له وتمناه بنيامين نتانياهو، جاءت انتخابات الكنيست التاسعة عشرة في الثاني والعشرين من هذا الشهر، مخيبة للآمال، بل وتشكل صفعةً قويةً على وجه رئيس تكتل "ليكود- بيتنا". فمنذ قيام إسرائيل عام 1948، ذهب الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع تسع عشرة مرة، أي بمعدل ثلاث سنوات وبضعة أشهر لكل دورة كنيست، وهي فترة تقل عن الفترة الزمنية التي يسمح بها القانون وهي أربع سنوات لكل دورة.

هذا يؤشر إلى عدم استقرار الحكومات الإسرائيلية، ويدل على أن تاريخ الدولة، طافح بالأزمات، أكثر مما يدل على رسوخ الديمقراطية في دولة مصنوعة على نحو لا مثيل له في العالم.

في الانتخابات التي جرت عام 2006، تنافست 31 قائمة تجاوزت نسبة الحسم فيها 12 قائمة، وفي انتخابات 2009 تنافست 33 قائمة تجاوزت نسبة الحسم منها 12 قائمة أيضاً، أما في هذه الدورة الانتخابية فتنافست 34 قائمة فازت منها 13، وحصل فيها تحالف "ليكود- بيتنا" على الحصة الأكبر.

كانت حكومة نتنياهو ـ ليبرمان، قد اتخذت قراراً بإجراء الانتخابات قبل موعدها القانوني ببضعة أشهر، وكان تقديرهما أن الظروف مواتية تماماً لكي يحقق الليكود تقدماً كبيراً في الانتخابات، يمكنه من الهيمنة أكثر على الخارطة السياسية لإسرائيل.

من أجل ذلك بادر نتنياهو على غير رغبة من نحو 30٪ من أعضاء حزبه، إلى تشكيل تحالف انتخابي مع حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه وزير الخارجية المتطرف أفيغدور ليبرمان، وكان الحزبان يحوزان على اثنين وأربعين مقعداً في الكنيست الثامنة عشرة.

خلال الانتخابات التمهيدية لاختيار القائمة، التي جرت في 26 نوفمبر المنصرم، لوحظ أن الليكود يميل أكثر نحو مزيد من التطرف، ولم يكن ذلك فقط بسبب تحالفه مع "إسرائيل بيتنا"، وإنما أيضاً لأن القائمة التي جرى انتخابها، خلت ممن يعتبرون في الليكود من الحمائم، وهم دان مريدور، ميخائيل إيثان، وبيني بيغن، فيما اقتحمها في المقاعد المضمونة، المتطرف فايغلن وعدد من أنصاره.

وقبل الانتخابات أيضاً، تلقت إسرائيل صدمتين كبيرتين، الأولى حين فشل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكان نتانياهو قد بادر إليه بأمل كسب أصوات الناخبين في المناطق القريبة من قطاع غزة، الذين تسقط عليهم الصواريخ الفلسطينية، أما الثانية فحين فشلت الولايات المتحدة وإسرائيل في منع الفلسطينيين من الحصول على عضوية دولة غير عضو في الأمم المتحدة.

الصدمة الأولى أدت عملياً إلى إعلان وزير الدفاع إيهود براك، عزمه على وضع حد لحياته السياسية بعد الانتخابات، أما الثانية فقد جعلت الرئيس الأميركي باراك أوباما يقول إن سياسة نتانياهو تدميرية، فيما قالت تسيبي ليفني إن هذه السياسة المتطرفة تهدد بزوال إسرائيل.

إذا كانت هاتان الصدمتان قد ألحقتا ضرراً بطموحات تحالف "ليكود- بيتنا"، الذي خسر أحد عشر مقعداً قياساً بما كان يحوز عليه في الكنيست السابقة، فمن المحذور أن يعتقد أحد أنهما السبب الوحيد أو الأساسي وراء الخسارة التي مني بها نتانياهو وتحالفه.

قبل أن نبحث في أسباب خسارة تحالف "ليكود- بيتنا"، نشير إلى أن الانتخابات الأخيرة شهدت ثلاث ظواهر تنطوي على مفاجأة. الظاهرة الأولى تتمثل بارتفاع نسبة التصويت إلى نحو 70٪، بما يتجاوز نسبتها في الانتخابات التي جرت في 2006 و2009، والتي لم تتجاوز 55٪، الأمر الذي يعزوه بعض المراقبين إلى صحوة جمهور "اليسار" وإلى رغبة الإسرائيليين في التغيير.

الظاهرة الثانية تتمثل في إقناع قطاع من الفلسطينيين بعدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع بدعوة الحركة الإسلامية بقيادة رائد صلاح، وأبناء البلد بقيادة رجا اغباريه، وكان من الأفضل لو أن الفلسطينيين اتخذوا قراراً موحداً، ذلك أنه كان بإمكانهم أن يحصلوا على نتيجة أفضل من التي حصلت عليها قوائمهم الثلاث، والتي حققت تقدماً بحصولها على اثني عشر مقعداً، وهي أكثر من حصتهم في الكنيست السابقة.

الظاهرة الثالثة تتمثل في فوز الصحافي مقدم البرامج يائير لابيد، بمثابة الحزب الثاني بعد تحالف "ليكود- بيتنا"، وهو حزب محسوب على الوسط ويعكس خط الصهيونية الليبرالية، وليحل بديلاً عن حزب كاديما الذي حصل على مقعدين فقط، في حين كان يحوز على ثمانية وعشرين مقعداً في الكنيست السابقة.

في كل الأحوال فإن القضية الفلسطينية، وقضية السلام، لم تكونا في أولويات برامج الأحزاب المتنافسة، أو من بين أهم عناوينها. حتى لابيد الذي اشترط للمشاركة في حكومة يرأسها نتانياهو أن تلتزم بعملية السلام، رفض دعوة من حزب العمل لتشكيل كتلة مانعة، لإحباط محاولة نتانياهو تشكيل الحكومة، وقال إنه لن يقبل إقامة كتلة مانعة مع حنين الزعبي.

لقد تنافست الأحزاب والكتل الانتخابية مع بعضها من مواقع التطرف، وفي محاولة لكسب أصوات المستوطنين، أما حزب العمل الذي يوصف زوراً بأنه يساري، فقد ركز حملته الانتخابية على الملف الاقتصادي الاجتماعي، وضم إلى قائمته في المواقع المضمونة، اثنين من رموز الحراك الاجتماعي.

أما لماذا فشل تحالف "ليكود- بيتنا" حتى في أن يحافظ على حصته التي كان يحوز عليها في الكنيست السابقة، فبالإضافة إلى ما ورد بشأن الصدمتين اللتين تلقاهما من الفلسطينيين، فإن العزلة الدولية التي تعاني منها إسرائيل بسبب تطرف حكومتها، وفشلها في معالجة الأزمة الاقتصادية الداخلية، كل ذلك يحرض الجمهور، خصوصاً الطبقة الوسطى، على معاقبة المسؤولين عن هذه السياسة.

في إطار المؤشرات التفصيلية، يتضح أن 17٪ فقط من سكان مدينة تل أبيب، صوتوا في الانتخابات الأخيرة لصالح تحالف "ليكود- بيتنا"، فيما صوت لصالح الليكود في الانتخابات السابقة نحو 50٪ من سكان المدينة، التي تشكل الطبقة الوسطى غالبية سكانها.

على كل حال، أنتجت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، مشهداً حزبياً يتوزع حسب التصنيف الإسرائيلي، إلى 51٪ لصالح اليمين و49٪ لصالح اليسار والوسط، مما يعني أن إسرائيل مقبلة على حكومة ضعيفة، غير مستقرة، ستكون خطرة وأكثر عدوانية وتطرفاً، وغير قادرة على الاستجابة لأي مبادرة سلام حقيقية، كالتي تحضر أوروبا لإطلاقها في مارس المقبل بتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية.

Email