المواطن ذلك الخبير المستهان به

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا نستهين بقدرات المواطن؟ لماذا نسير عكس العالم؟ لماذا لم يزل في داخل كل مواطن منا ريبة غير مبررة من المواطن الآخر؟ لماذا نعتقد بأن الجنسية الأجنبية هي الأفضل والأغلى والأرقى؟ لماذا يظل المواطن مدى العمر متدربا حتى يتوفاه الله؟ كيف تقنعني بأن هذا المواطن وبعد سنين من الخبرة التي جعلته يتفوق فنيا على مرؤوسيه يظل دون رئيسه في المرتبة والدرجة والمرتب؟ لماذا لا نضع أيدينا في يد المواطن ونرفعه إلى المكانة التي يستحقها؟

هناك من الأسئلة التي لا حصر لها وكلها تخص الاعتراف بقدرة المواطن، ولكن لا نجد الإجابة عليها بأسلوب علمي وحضاري.

الطريقة العلمية تعتمد على دراسة الحالة. ودراسة الحالة تعتمد على الوثائق والأرقام والتحليل والوصول إلى نتائج نزيهة مئة بالمئة. وإلى اليوم لا توجد دراسة علمية تثبت بأن المواطن الإماراتي ما زال بعد 41 عاما من قيام الاتحاد ومن الإمكانيات الهائلة التي وفرت له على مدى هذه السنين ومن العمل المستمر في مجال تخصصه وعمله، ما زال (غير قادر) على إدارة المؤسسة التي يعمل فيها.

أنا أتصور بأن المسألة لا تتعدى وجود خط وهمي مرضي يفصل بين النفس والواقع. أقصد، بأنه ما زال المواطن الذي هو في موقع المسؤولية يحمل في نفسه فكرة أن المواطن غير قادر على الإبداع. هناك خوف أو لنقل مرض مزمن اسمه الشك في قدرات المواطن يمارسه المواطن ضد نفسه. وهذا الخوف وهمي ليس له مبرر علمي. إذن، فمعظمنا في حاجة إلى عالم نفس يفك لنا هذه العقدة قبل أن تتفاقم.

وبما أني لا أشك في قدرات المواطنين، مع أنني مواطن، لدي قائمة طويلة لأفضل أساتذة علم النفس في العالم العربي من مواطني هذه الدولة بل ومن حملة الدكتوراه وغيرها! هؤلاء قادرون على تكريس جهودهم لفك هذه العقدة من عقولنا. لا بد لكل مسؤول أيا كان؛ سواء كان في دائرة حكومية أو خاصة أن يخضع لهذه العملية النفسية قبل توليه أي منصب قيادي.

قررت دولة الإمارات أن يكون عام 2013 عام تمكين المواطن. شعارات التوطين قديمة. وستظل مجرد شعارات قديمة إن لم نحولها إلى واقع. وقبل ذلك لا بد من علاجنا من عقدة إبعاد المواطن عن مراكز القرار ودائرة الخبراء وحلقات المستشارين.

ليس مطلوبا منا أن نسافر إلى فرنسا للمقارنة، ويكفي أن نذهب إلى دولة الكويت لكي نتعلم كيف تحول المواطن الكويتي وبسرعة إلى صاحب القرار والخبير والاستشاري. وبالتالي تخلص من عقدة الأجنبي التي ما زلنا نعاني منها.

بدلا من استقدام الأجنبي الخبير إلينا نقرر أن نبعث مواطنينا كل في تخصصه إلى هناك، لاكتساب الخبرة. لقد اعتمدنا كثيرا على الخبير الأجنبي في كل شيء: في التعليم، في الصحة، في الثقافة، في الإدارة، في الاقتصاد، في الصناعة المحلية بل وفي كرة القدم.

وما زلنا لم نشبع. ما زالت كل دائرة من الدوائر الحكومية تطالب باستقدام خبير (أجنبي) لتقييم عملها. وما زال كل صاحب شركة يستقدم الخبراء الأجانب لتقييم شركته، ويتحول وللأسف الشديد هؤلاء الخبراء من خبراء مؤقتين إلى موظفين دائمين.

نحن نملك من الخبراء والاستشاريين المواطنين في كافة المجالات ما يكفي لتصديرهم إلى الخارج. مع هذا، لم نسمع أن أي دولة أجنبية طلبت الاستفادة من أحدهم ولو بالمجان؟

الحل يكمن لدى أصحاب القرار. والقرار لا يتعدى حظر استقدام أي خبير أجنبي والاعتماد على الخبرات المحلية. هنا سنكتشف الكم الهائل من الخبراء المواطنين الموضوعين خلف الرفوف. ثم سنكتشف بعد ذلك مدى إمكانيات هؤلاء. وبعدها سنصل إلى نتيجة أخرى، أن المواطن يوفر علينا ملايين الدولارات التي يلهفها الخبراء الأجانب الذين اعتمدوا على الخبرات المواطنة! أليس من الغرابة استقدام خبير تربوي من دولة أجنبية غير عربية وغير مسلمة ليضع لي سياسة التعليم في دولة عربية مسلمة؟

شكراً إلى مهدي علي هذا المدرب المواطن والإماراتي المتواضع الذي سجل هدفين صارخين في مرمى الشك في قدرات المواطن الإماراتي على الإبداع والتفوق.

لنبدأ جميعنا من هنا.... ولنر ما يحدث بعد عشر سنين....

 

Email