مسلسل بلا حلقة أخيرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحرب العالمية الأولى اشتعلت في عام 1914.. وبعد أربع سنوات بلغت نهايتها. والحرب العالمية الثانية اندلعت في عام 1939.. واستغرقت ستة أعوام فقط. كان ذلك في القرن العشرين المنصرم. الآن وعلى مدى العقد الأول وزيادة من القرن الحادي والعشرين، تتواصل ما يطلق عليها "الحرب ضد الإرهاب"..

وأبرز سمة لها هي أنها حرب بلا نهاية. لقد كانت الحرب العالمية الأولى سجالاً قتالياً بين فريقين من دول أوروبية: فريق تتزعمه بريطانيا وآخر بزعامة ألمانيا. وعلى هذا النحو كانت تعبيراً عن صراع اقتصادي، يعكس تنافساً شرساً حول السيطرة على الأسواق الخارجية. وكذلك كانت الحرب العالمية الثانية، كصراع قتالي بين مجموعتين من دول أوروبية.

لكن الحرب ضد الإرهاب أمر مختلف تماماً. هنا تبلور تحالف غربي كامل وشامل لشن حرب متسلسلة، وأحدث حلقة في المسلسل الدامي الذي لا تعرف له نهاية محتملة، هي جمهورية مالي.

في مقالة في صحيفة "الغارديان" اللندنية، يقول المعلق الصحافي "غلين غرينوالد" إنه بينما تقوم الطائرات الحربية الفرنسية بقصف مالي، فإنه توجد معلومة إحصائية بسيطة تفسر السياق الذي تجرى فيه هذه العملية، وهي أن هذه الدولة الإفريقية هي الدولة السابعة التي تتعرض لقصف من القوى الغربية خلال السنوات الأربع الأخيرة يؤدي إلى قتل مدنيين. والدول الست الأخرى هي: أفغانستان وباكستان واليمن وليبيا والصومال.. وقبلها العراق. وينبه الكاتب إلى أن هذا لا يشمل ما تقوم به دكتاتوريات من سفك دماء شعوبها، بينما تلقى دعماً قتالياً من الغرب.

وإذ تبدو العمليات الغربية متفرقة ومعزولة عن بعضها البعض، إلا أن كل عملية دموية باسم محاربة الإرهاب تفضي إلى عملية أخرى.

ولتفسير هذه الظاهرة تفيد صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن النشاط القتالي الذي تمارسه في مالي المنظمات المسلحة، والذي استدعى تدخلاً عسكرياً فرنسيا، هو في حقيقة الأمر نتيجة مباشرة لتدخل حلف الناتو في ليبيا، ذلك أن كوادر هذه المنظمات المالية عادت إلى وطنها من ليبيا، حيث كانت تمارس القتال داخل الساحة الليبية لصالح العقيد القذافي.

وهكذا جاء التدخل الفرنسي المسلح في مالي، للحيلولة دون تمكن تلك المنظمات من الإطاحة بالحكومة المالية وإقامة نظام حكم إسلامي.

والمغزى الذي يستخلص، هو أن أي تدخل غربي عسكري في بقعة ما من العالم الإسلامي، يكون بمثابة زرع بذور تدخل مماثل لاحق في بقعة أخرى باسم "مكافحة الإرهاب".

في عام 2001 شنت الولايات المتحدة غزواً شاملاً على أفغانستان للإطاحة بنظام طالبان. ذلك كان بمثابة الحلقة الافتتاحية للحرب ضد الإرهاب. واتخذت واشنطن قرار الهجوم بناء على أن قادة تنظيم "القاعدة"، الذين كان يستضيفهم نظام طالبان، هم المسؤولون عن تفجيرات 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن..

لكن إدارة الرئيس بوش لم تبرز أية أدلة قاطعة. والآن فإن النتيجة بعد 12 عاماً من القتال الأميركي داخل أفغانستان، هي توسيع الحرب لتشمل باكستان عبر الحدود، بعد أن نشأ وترعرع تنظيم مسلح باسم طالبان الباكستانية في الإقليم القبلي المحاذي للأراضي الأفغانية.

تأسيساً على ذلك، فإن التدخل العسكري الفرنسي في مالي، ليس مرشحاً فقط لأن يكون طويل الأمد بما يؤدي إلى ورطة فرنسية في الصحراء الكبرى، وإنما هو مرشح أيضاً لأن تنتقل عدواه إلى بقعة أخرى في الشمال الإفريقي، بل انتقلت العدوى بالفعل إلى الجزائر كما نرى. وقد تناول هذا التطور بصورة أوضح، الكاتب البريطاني أوين جونز.

يقول الكاتب: إن التدخل الفرنسي في مالي هو في حد ذاته عاقبة لتدخل آخر. الحرب الليبية يجرى تصويرها غربياً كقصة نجاح لتدخل ليبرالي، من أجل نقل ليبيا إلى رحاب الديمقراطية. لكن الإطاحة بدكتاتورية القذافي، أفرزت عواقب ربما لم تفكر وكالات الاستخبارات الغربية لمجرد تصورها.

لقد كانت قبائل الطوارق التي تستوطن شمال مالي، تشكل جزءاً كبيراً من جيش القذافي، وعندما أقصيّ القذافي من السلطة فإن مقاتلي الطوارق عادوا إلى وطنهم. لقد نظر إلى الحرب الليبية كنجاح.. والآن فإن الغرب يرى عواقبها الكارثية في مالي. المشكلة العظمى هي أن الحرب الغربية على الإرهاب لن يكون لها أمد محدود، لأنه ليس لها ظرف مكاني أو زماني محدد. مع ذلك فإنه بات معلوماً أن لها دافعين، أحدهما أيديولوجي والثاني براغماتي.

الجانب الأيديولوجي يمكن أن يستخلص من حقيقة أنها حرب تستهدف العالم الإسلامي تحديداً.. فهي مهما طال أمدها وتوسعت نقلاتها الجغرافية، لن تمس إسرائيل مثلاً، فالمفهوم الغربي الإيديولوجي لهذه الحرب الغربية لا يشمل الدولة اليهودية.. بل يمكن القول إن أحد الأهداف الرئيسية هو ضمان بقاء إسرائيل كقوة إقليمية عظمى، متفوقة على كل قوة أخرى في العالم الإسلامي.

أما الهدف البراغماتي فإنه يتعلق بمصالح أباطرة صناعة السلاح في الولايات المتحدة، ذلك أن هذه الصناعة القاتلة بحاجة على الدوام إلى أسواق عالمية لتصريف منتجاتها، بابتداء مؤثرات متعاظمة تفضي إلى إشعال حروب مما ينشط الطلب على بضاعة السلاح.

والسؤال الأخير الذي يطرح هو: بعد مالي والجزائر أين تنتقل الحرب؟

 

Email