في الإرهاب والإعلام والسياسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عادت أخبار الإرهاب، في غضون الأيام القليلة الماضية، إلى الواجهة وسيطرت على نشرات الفضائيات وأنباء الصحف العالمية، وتصدرت التعليقات والتحليلات. الحرب على الإرهاب في مالي وحادثة عين أميناس في الجزائر، تؤكد أن الظاهرة قائمة وما زالت تفرض نفسها كلغة سياسية وكوسيلة للمطالب والتفاوض. فظاهرة الإرهاب أصبحت جزءا لا يتجزأ من السياسة الدولية والعمل السياسي.

ومن وسائل الضغط وسبل التأثير على السلطة، في صناعة القرار وفي تحديد السياسات والبرامج. فالإرهاب هو مشكلة الألفية الثالثة بامتياز، والظاهرة التي تقلق دول العالم قاطبة، فقد عانت منه البشرية عبر العصور والأزمنة، ووصفه البروفسور ميسروف في ثمانينات القرن التاسع عشر بأنه "أقوى من مليون خطاب". ففي سنة 1883 انفجرت أول قنبلة أنفاق في لندن، أما أول هجوم انتحاري فكان على رئيس وزراء روسيا سنة 1906، أما أول شحنة ديناميت فوضعها المتطرف بوريس سافنكوف في طائرة عام 1907.

تأثير الإرهاب كبير، وله تداعيات وانعكاسات معتبرة على مختلف أجهزة الدولة وقطاعاتها. هذا التأثير ضخّمته وهوّلت منه وسائل الإعلام التي تتسابق وتتهافت لتغطية أخبار الضحايا من القتلى والجرحى ونقل صور الدمار والخسائر التي تتسبب فيها الأعمال الإرهابية، فالإرهاب بدون إعلام لا وزن له ولا تأثير، وهو استراتيجية وأسلوب وتقنية تستخدمها جماعات وأشخاص، لإيجاد جو من الخوف والرعب وعدم الأمن بهدف الوصول إلى السلطة أو تحقيق أهداف معينة.

الإرهاب لم يأت من العدم، وإنما له أسبابه وجذوره والعوامل التي تفرزه. فللإرهاب أسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية، وأسباب تتعلق بانعدام العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروة الوطنية، وتهميش فئات عريضة من المجتمع. فالفقر والجهل والظروف المعيشية الصعبة، وغياب ثقافة القانون والفصل بين السلطات والتناوب على السلطة، كلها عوامل تزرع الإرهاب.

والعلاقة بين وسائل الإعلام والإرهاب علاقة حساسة جدا، حيث إنها محل انتقادات لاذعة وتثير الجدل والنقاش الكبيرين. وهنا نلاحظ تضارب المصالح والابتزاز والاستغلال، وفي الكثير من الأحيان تجد وسائل الإعلام نفسها أمام قرارات أخلاقية صعبة. فقد انتقدت وسائل الإعلام لأنها تستغل الأعمال الإرهابية للتلاعب والتوظيف السياسي، ولتمرير أجندة لا علاقة لها بالمصلحة العامة ولا بحرية الصحافة.

ينفذ الإرهابيون الأعمال الإرهابية لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: الحصول على الاهتمام، الاعتراف، وكذلك درجة من الاحترام والشرعية. وغالبا ما ترضخ وسائل الإعلام وتستجيب لتحقيق هذه الأهداف، من خلال التغطية الإعلامية والاهتمام المبالغ فيه، لتحقيق السبق الصحافي والتميز والانفراد في تقديم المعلومات والتحليلات والتأويلات المختلفة للأفعال الإرهابية.

ويقوم الإرهابيون عادة بالجرائم وأعمال القتل والتخريب وحجز الرهائن الأبرياء وخطف الطائرات، للضغط على الحكومات للاستجابة لمطالبهم وأهدافهم. وحتى يصلوا إلى الرأي العام، فإنهم يعتمدون على وسائل الإعلام التي تباشر في التهافت على نقل الوقائع والأحداث الإرهابية والتفنن في تضخيمها.

والإشكالية الصعبة التي تطرح نفسها على وسائل الإعلام هنا: ما العمل؟ وما هو الموقف الذي يجب اتخاذه؟ هل يجب القيام بالتغطية وعرض المطالب والأهداف؟ أم مقاطعة التغطية تماما وتجاهل الأعمال الإرهابية؟ وإذا قامت الوسائل المحلية بالمقاطعة هل ستتبعها وسائل الإعلام الأجنبية؟ وإذا لم تقم وسائل الإعلام بالتغطية من يضمن عدم تسرب الأخبار وانتشار الإشاعة؟

أسئلة كثيرة ومختلفة ومتشعبة، تمس جوانب تنظيمية وأمنية وأخلاقية يجب أن تطرح بجدية وتدرس بتأنٍّ، لتجنب مشاكل قد تكون انعكاساتها وخيمة على المجتمع بكامله. الأمر معقد ويتطلب التنسيق مع أجهزة الأمن والحكومات، لاتخاذ القرار السليم ومحاولة المساهمة في إقصاء وتهميش أطراف تستعمل طرقا غير شرعية وغير قانونية وغير أخلاقية، لتحقيق أهدافها ومصالحها على حساب أمن وسلامة الأبرياء.

ومن أهم الانتقادات التي وُجهت لوسائل الإعلام في تعاملها مع الإرهاب، أنها أصبحت طرفا هاما في أزمات وعمليات الإرهاب، وأصبحت طرفا يُستغل لخدمة مصالح وأهداف قد تتعارض تماما مع الرسالة النبيلة للإعلام في المجتمع. فبقوتها وإمكانياتها الاتصالية الهائلة، تعطي وسائل الإعلام فرصة ذهبية للإرهابيين للوصول إلى ملايين البشر محليا ودوليا.

والتعبير عن ما يريدونه. وهذا من شأنه أن يخدم قضية الإرهابيين ويضع ضغوطا كبيرة على الحكومات للتنازل والتفاوض من مركز ضعف. فالوصول إلى الرأي العام الدولي يعتبر من أهم أهداف الإرهابيين، حيث محاولة الوصول إلى المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية وغيرها من التنظيمات العرقية والإثنية وتجمعات الأقليات وغيرها.

وهذه المعادلة الاستغلالية تعتبر من الممارسات السلبية التي تقوم بها وسائل الإعلام، واضعة في الحسبان أنها تقدم خدمة جليلة للرأي العام وأنها تقوم بمسؤوليتها الاجتماعية على أحسن وجه، إلا أنها في آخر المطاف تخدم قضايا بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة ومصلحة المجتمع بآسره. القرار هنا أخلاقي، ومن واجب وسائل الإعلام أن تتخلص من أي اعتبار تجاري أو أي فكر تنافسي أو أي سبق صحافي، لأن الموضوع أهم من ذلك بكثير، حيث يتعلق بأمن الدولة وسلامتها وسلامة سكانها.

على مسؤولي وسائل الإعلام النظر في ظاهرة التفاعل والتعامل مع عمليات الإرهاب بشيء من الحيطة والحذر والجدية والتعمق، لأن فكرة حرية الصحافة والتدفق الحر للمعلومات والطاعة العمياء لمبدأ حق الفرد في المعرفة، لا مجال لها عندما يتعلق الأمر بأمن المجتمع وسلامته. والمطلوب هنا هو وضع مقاييس صارمة للتعامل مع الأعمال الإرهابية، وإذا استطاعت وسائل الإعلام أن تهمش هذه الأعمال ولا تعطيها أية أهمية تذكر، فإنها تخدم بذلك المجتمع بأسره وتقصي الإرهابيين وأعمالهم.

أما بالنسبة للاستراتيجية الإعلامية فإنها يجب أن تقوم أساسا على الدور المحوري الذي يجب أن تلعبه وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، لمحاربة الإرهاب فكريا وأيديولوجيا وسيكولوجيا. فالإرهاب فكر وإدراك واقتناع قبل كل شيء، ومن هنا يجب على وسائل الإعلام أن تحارب الإرهاب في أذهان وقناعات ومعتقدات الناس وتبتعد عن التهويل والإثارة.

أما استراتيجية الإصلاح الشامل لمحاربة الإرهاب، فتشمل الإصلاح السياسي والاقتصادي، واحترام الحريات الفردية وحرية التعبير، والاستغلال الرشيد للثروات الوطنية لخدمة التنمية المستدامة وتوفير سبل العيش الكريم للمواطنين، والقضاء على الفقر والتهميش. وهذا يعني الاستثمار في العلم واقتصاد المعرفة، وتطوير الإنسان في مختلف المجالات.

 

Email