حوار متقدم بين اليابان والعالم الإسلامي

أتيحت لي الفرصة مؤخرا، لحضور الملتقى الثالث لحوار اليابان مع العالم الإسلامي. عقد الملتقى بدعوة من وزارة الخارجية اليابانية في طوكيو خلال يومي 6 و7 ديسمبر 2012، بمشاركة ست وثلاثين باحثا ودبلوماسيا من الجانبين الياباني والإسلامي.

شارك في الملتقى عن الجانب العربي والإسلامي ممثلون من مصر، والمغرب، وتونس، والأردن، والسعودية، ولبنان، وإيران، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وقطر، وبروناي، بالإضافة إلى مجموعة منتقاة من شباب اليابان، الذين أجروا حوارا ممتعا مع شباب من دولة الإمارات العربية المتحدة ومن الجامعة الأردنية.

بعد أن عقدت ثمانية مؤتمرات بين الجانبين في الفترة ما بين 2002 و2010، قرر منظمو تلك الملتقيات الارتقاء بها من الحوار النظري في إطار حوار الثقافات أو الحضارات، إلى معالجة مشكلات محددة تمت مناقشتها في ثلاثة ملتقيات، يصار بعدها إلى اختبار ثلاثية جديدة لمعالجة موضوعات مشتركة.

هذا الملتقى هو الثالث في إطار الثلاثية الجديدة لملتقيات محددة تختلف عن سابقاتها. فقد عقد الملتقى الأول في أبو ظبي عام 2011، لمناقشة قضايا الصناعة والتصنيع بين اليابان والعالم الإسلامي، وعقد الثاني في أواخر فبراير ومطلع مارس 2012 في الجامعة الأردنية في عمان.

وتناول مأساة اليابان البشرية وما ترتب عليها من أزمات اقتصادية واجتماعية بعد زلزال 11 آذار 2011، ومشكلات العرب السياسية والاقتصادية بعد تفجر انتفاضات ما عرف باسم "الربيع العربي". واختتمت هذه الثلاثية بعقد الملتقى الثالث والأخير في طوكيو، تحت عنوان: "حوار في اتجاه مستقبل العلاقات بين اليابان والعالم الإسلامي".

وبالإضافة إلى تناوب الباحثين على إبراز أهمية العلاقات بين اليابان والعالم الإسلامي، وضرورة تطويرها على الجوانب الثقافية والسياسية والأكاديمية والفنية، على غرار تطورها العاصف على المستوى الاقتصادي في المرحلة الراهنة.

فقد قدمت أبحاث عدة حول مشكلة المناخ، والاحتباس الحراري، والعمل على تطبيق توصيات مؤتمر كيوتو في هذا المجال. وأشار معظم الباحثين إلى التطور الاقتصادي بين الجانبين، وما تشهده الدول العربية والإسلامية من نمو متزايد في حجم التبادل التجاري والتوظيفات المالية، خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وتم استعراض الأحداث التي شهدتها بعض الدول العربية خلال عامي 2011 و2012، وما إذا كانت تشكل فعلا ربيعا عربيا أم خيبة أمل للقوى الشبابية والشعبية والنسائية التي شاركت فيها، لأنها لم تعط الثمار الإيجابية المرجوة منها حتى الآن.

نشير هنا إلى محاضرة البروفسور يوزو إيتاغاكي التي كانت متميزة جدا، من حيث العنوان، والمضمون، والنظرة المنهجية المعمقة لمشكلات الدول العربية والإسلامية. وهي تعبر بموضوعية عن رؤية دقيقة للمشكلات العربية، بعيون يابانية منصفة، وليس بعيون استشراقية.

حملت المحاضرة المفتاحية العنوان التالي: "مدلول الحوار من أجل مستقبل البشرية"، وقدمت أفكارا هامة تساعد على فهم التبدلات المتسارعة في الدول العربية والإسلامية. فدعا المحاضر إلى تصويب مصطلح "الربيع العربي" الذي أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما، لأنه لا يعبر بدقة عن مضمون الانتفاضات العربية، فهي انتفاضة المواطن العربي من أجل الحصول على حقوق المواطنة والمساواة، وقيام دولة القانون والمؤسسات، والتأسيس لحداثة حقيقية تتجاوز مرحلة التحديث الشكلي.

ونبه إلى أهمية العقد الاجتماعي في الإسلام، ودوره في حماية المواطنين، ورفض كل أشكال العنف كأسلوب للتغيير الديمقراطي. فالتغيير الشامل يبدأ أولا بتغيير الذات، مع التركيز على المساواة التامة بين الجنسين، وحماية الطبيعة، وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بالطرق السلمية.

ودعا إلى توخي الحذر عند استخدام الطاقة النووية التي باتت تهدد الجنس البشري بالفناء، ونبه إلى أن مشكلات الدول العربية والإسلامية اليوم، ليست مشكلات دينية فقط، بل أيضا اقتصادية واجتماعية وثقافية. وذكر بأن الدول الكبرى استخدمت الإسلام لأغراض السيطرة أو الهيمنة.

كما فعلت اليابان في المناطق الآسيوية الإسلامية التي احتلتها، واستخدم الرئيس الصيني، ماو تسي تونغ، الإسلام ضد الاحتلال الياباني، كما استخدمت الولايات المتحدة الإسلام لمحاربة الشيوعية، وضرب ركائز الحكم الشيوعي في أفغانستان.. وهناك أمثلة لا تحصى حول استخدام الدين في السياسة.

بيد أن الصينيين واليابانيين والأميركيين لم يفهموا خصوصية الجماعات الإسلامية، وسلوكها الاجتماعي، وتراثها الإنساني، بل سعوا إلى الاستفادة منها لأغراض سياسية فقط. وما زالت الولايات المتحدة تعتبر الإسلام السياسي ملحقا بسياستها في الشرق الأوسط، وهي تحاول توظيفه لمصلحة إسرائيل، والتمييز بين إسلام جيد أو معتدل يعترف بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

وإسلام إرهابي إذا كان معاديا لإسرائيل وللسياسية الأميركية. واعتبر أن القضية الفلسطينية هي قضية شعب حر يرفض كل الاتفاقيات المجحفة، ولا يتنازل عن أرضه وتراثه وحقوقه المشروعة، خاصة حق العودة إليها، وبناء دولته المستقلة عليها.

وتوقع المزيد من الانتفاضات الشعبية المتتالية في دول عربية وإسلامية، لأن هناك إرهاصات ثورية تطالب بالتغيير الديمقراطي لتجاوز أنظمة الاستبداد والتسلط. فالإسلام دين الدعوة إلى الحرية والعلم والحوار بين الثقافات، وهو دين الفطرة الذي دعا إلى التضامن واحترام الآخر.

وطالب بإعادة التمعن في فكرة التوحيد، وأهمية وحدة الجماعة والتكافل والتضامن بين أفرادها في العالم الإسلامي. فقد ساهم علماء مسلمون في تطوير علوم الفلك، والطب، والهندسة، والصيدلة، والرياضيات، كما أن النظم الإسلامية تشدد على أهمية العلاقة بين العلوم والقيم الأخلاقية، التي بدونها تصبح العلوم خطرا على الجنس البشري.

ختاما، بعد الإنجازات الهامة التي حققتها المؤتمرات السابقة حول حوار الحضارات أو الثقافات، اتجهت الملتقيات الثلاثة الأخيرة لمعالجة قضايا معيشية متفاقمة، والبحث عن حلول عملية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفجرة في الدول العربية والإسلامية.

وتم التركيز على معالجة قضايا الشباب، والبيئة، وكيفية اكتساب الخبرة اليابانية في مجال الصناعة، وتوطين التكنولوجيا اليابانية في العالم الإسلامي. وتم التنويه بالجهود الكبيرة التي قام بها الجانب الياباني ومندوبو الدول العربية والإسلامية، لإطلاق مرحلة جديدة من الاستخدام الجيد لتكنولوجيا اليابان المتطورة، لتعظيم الإنتاج في الدول العربية والإسلامية، وإيجاد فرص عمل للقوى الشبابية والنسائية فيها.

وفتح ملتقى طوكيو آفاقا مستقبلية واعدة لتطوير العلاقات بين الجانبين نحو آفاق جديدة، ونبه أكثر من باحث عربي إلى أن العلاقات باتت ممتازة في مجال التبادل التجاري والتوظيفات المالية، والمطلوب تطوير العلاقات الثقافية والأكاديمية لتساهم في توليد جيل جديد من الشباب الواعي، يتجاوز الصورة النمطية التي تنشرها وسائل إعلام غربية عن المجتمعات الإسلامية في المرحلة الراهنة.

 

الأكثر مشاركة