العرب وجنون العاطفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كون العرب أكثر الشعوب رومانسية، لا يعني أن يبتعدوا عن العقل!

صحيح أنهم كتبوا الشعر الموزون والمقفى قبل 1600 سنة وأبدعوا فيه في كل العصور، ثم تفننوا في قصص الحب العذري التي خلدوها في قصائدهم ابتداء من المعلقات إلى تفاصيل عنتر وعبلة وتراجيديا قيس وليلى وكوميديا عمر بن أبي ربيعة ومأساة نزار قباني، إلا أن ذلك يجب أن لا يلغي العقل.

العرب في الزمن الحاضر مأساة. وهي مأساة عالمية كونية وليست محصورة في الحدود الجغرافية لما يسمى جزافاً «الوطن العربي» لأن معظم الدول التي تدخل تحت هذا المسمى لم تكن في الأصل عربية بل تحولت إلى الإسلام وتعلمت العربية للضرورة أي أنه في الأصل عالم إسلامي يتحدث بلهجات مختلفة.

ومن الخطأ الاعتقاد بأن مأساتنا الكبرى بدأت بوفاة الرسول الأعظم «صلى الله عليه وسلم » وما تبعها من خلافات سياسية نشبت حول أمر الخلافة، ولا بتحول أمر الخلافة إلى بيت بني أمية والتي حولت الخلافة إلى حكم وراثي وما ترتب عليه من مأساة مصرع حفيد الرسول عليهما السلام والذي فجر خلفه نهراً من الدموع يمتد من سنة 1373 إلى هذا الحاضر، فهذه التراجيديا في الأصل تشكل جوهر التفكير العربي منذ القدم.

كل هذه القصائد الرومانسية التي من خلالها يعوض البدوي خشونة الحياة في جزيرة العرب الجدباء، إضافة إلى العواطف الجياشة التي ارتبطت بالعقيدة نتيجة مآسي تاريخ المسلمين طبعتهم بطابع الحزن والرومانسية إلى يومنا هذا.

ثم تدخلت أسباب متعددة لتغرس في نفوسهم صفة أخرى تتلخص في حب الأنا وتمجيد الذات وهوس الكرسي أكثر من غيرهم من شعوب الأرض! ولا أحد يعرف سر هذا التعلق بالأنا رغم أن العقيدة الإسلامية التي تربى عليها هؤلاء تدعوهم إلى الأثرة والتضحية والتعاون والشورى وغيرها من المبادئ الإنسانية العليا. لكنهم فيما يبدو توارثوها جينياً.

 فالجينات لا تحمل فقط الصبغة ولكن المشاعر! فالعصبية وحب الشهوات والكرم والجنون في كثير من الأحيان تكون متوارثة جينياً. وربما حب الأنا والذات وعبادة النفس تحولت من رغبة شخصية إلى جين ينتقل من جيل إلى آخر عبر سلسلة معقدة من التراكيب الكيميائية!

هذا الجين الخطير اندس ولشديد الأسف في عالم السياسة، وتحول الإنسان العربي الرومانسي إلى مهووس بالنظريات العامة وتخلى عن التطبيق. كافة النظريات التي يؤمن بها هي في جوهرها تدعو إلى التقدم والبناء والعمران ومجاراة التطور والابتعاد عن الأنانية. لكنه لا يطبقها.

ولو أخذنا مثلاً على ما يحدث هذه الأيام في دولة تاريخية ورومانسية جداً كجمهورية مصر (وما ينطبق عليها ينطبق على كافة الدول العربية)، لوجدنا أنه رغم الإرث التاريخي التي يجري خلفها كنهر النيل منذ عصر الفراعنة إلى عصر الفاطميين إلى جيل محمد علي باشا إلى جمال عبد الناصر وصولاً اليوم إلى الإخوان في سدة الحكم، ما زالت تعاني من مأساة الأنا والذات ورفض الآخر.

نحن لا نعني فقط أن يرفض الحاكم بأمر الله كل من لا يشاركه الرأي، بل أبعد من ذلك، فحتى الآخر هو بدوره يرفض الحاكم المنتخب. وتحولت ثورة 25 يناير إلى شبه صدام مستمر بين الحاكم والمحكوم.

مصر في حاجة إلى الصعود إلى العقل والقيام بعملية بناء لكل ما تم هدمه طوال قرون من الزمن. والإخوان في سدة الحكم ديمقراطياً منذ أشهر لكنهم هم والمعارضة في صراع متبادل. وأصبح بناء الدولة آخر اهتمامات المصريين.

الحصان يجر العربة بسرعة هائلة باتجاه منحدر والركاب وقائد العربة في عراك فلسفي وسفسطائي وأحياناً عاطفي ورومانسي. وفي النهاية لن يسلم أحد ما دامت جينات الـ «أنا» هي المسيطر على الذهن.

الإخوان يكررون أنهم منتخبون من الشعب، وأنه لم يمنحوا المدة القانونية الممنوحة لهم لإثبات جدارتهم كل ذلك بسبب مشاكسات المعارضة، والمعارضة تدعي بأن النظام الجديد أطاح بالثورة وهو لا يتماشى مع عقلية العصر والتقدم والديمقراطية.

العرب جميعاً في حاجة إلى شطب «الأنا» والصعود إلى حيز العقل، والعمل مجتمعين على بناء أمة على حافة الانهيار أمام مرأى العالم وليس تقديس الكرسي المؤقت.

 

Email