ضم الضفة ومآل الشعب الفلسطيني

ت + ت - الحجم الطبيعي

ماذا سيكون المآل النهائي للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية؟

في حمأة الحملات الإنتخابية الجارية الآن في إسرائيل بات هذا السؤال المصيري الكبير مطروحاً بأعلى درجات الجدية. وإذا كان السؤال خطيراً بما يكفي فإن المقاربة التي تخيرتها مجموعة من السياسيين الإسرائيليين أشد خطراً.

المقاربة تتمثل في "ضم الضفة الغربية" نهائياً إلى إسرائيل. وهي مقاربة صادرة عن قادة الأحزاب اليمينية الثلاثة حزب الليكود وحزب "البيت اليهودي" وحزب "القوة لإسرائيل" التي من المتوقع أن يكتسح مرشحوها الانتخابات البرلمانية.

لطرح موضوع ضم الضفة علنياً أقامت الأحزاب الثلاثة ندوة خاصة تحدثت فيها الشخصيات القيادية.

قال يولي أدلشتاين" من حزب الليكود "يجب أن نبدأ في الحديث عن هذا الأمر لأن هذه المسألة ستكون على جدول أعمال الحكومة المقبلة".

مسألة ضم الضفة ليست جديدة فقد سبق أن صدعت بها زعامات عتيقة من بينها مؤسس الدولة الإسرائيلية ديفيد بن غوريون في ستينيات القرن الماضي ومناحيم بيغن في عقد السبعينيات، لكنها لم تطرح بهذه العلنية المنظمة التي نشهدها الآن وبهذه الجدية التي تعقد لها ندوة خاصة كتمهيد لطرحها رسمياً من خلال مؤسسات الحكم كما هو متوقع.

أحد القياديين المشاركين في الندوة تحدث عن "حقنا التاريخي في هذه المنطقة" مما يؤكد على المنشأ الديني للقضية، فالضفة الغربية التي يسمونها "يهودا والسامرا" أرض يهودية مقدسة.

حتى عام 1967 كانت الضفة الغربية تابعة للسيادة الأردنية. وعندما أخضعت للاحتلال الإسرائيلي ابتداءً من ذلك العام اعتبر اليهود ذلك الاحتلال "تحريراً" لأرض مقدسة.

والسؤال الذي يطرح الآن هو: هل قيام إسرائيل بضم الضفة الغربية أمر يمكن أن يتحقق بهذه البساطة؟

في سياق الندوة المشار إليها تحدثت أربع شخصيات قيادية عن "عواقب" ذلك أن عملية الضم تعني تطبيق السيادة الإسرائيلية على أرض الضفة. وهذه العواقب تتمثل في ثلاثة أصعدة.. أولا: رد فعل الغرب. وثانيا: رد فعل العالم العربي. وثالثا: وضع الفلسطينيين إذا صدر بالفعل قرار الضم وجرى تطبيقه.. وهذه العاقبة الأخيرة وضع الفلسطينيين هي الأصعب.

قياساً على الماضي والحاضر فإن الإدارة الأمريكية، أي ساكن البيت الأبيض، سوف تكتفي بإصدار بيان "يؤنب" إسرائيل. وربما سيكون صوت الاتحاد الأوروبي قوياً إلى درجة إصدار إدانة قاطعة للقيادات الإسرائيلية لكن دول الاتحاد لن تذهب أبعد من ذلك.

مآل الشعب الفلسطيني سيكون العقدة المستعصية على الحل. فإذا جرى تطبيق قرار بضم الضفة فهل يتحول الفلسطينيون في الضفة إلى "مواطنين" إسرائيليين في وضع ديمقراطي إسرائيلي يحصلون بموجبه على الحق في التصويت في الانتخابات الإسرائيلية؟ وهل يكفل لهم الوضع الديمقراطي بالمساواة في كافة الحقوق الأخرى مع المواطنين اليهود؟ وفي كل الأحوال ماذا سيكون عليه مصير "فلسطين 48"؟ أم يعتبر الفلسطينيون مواطنين بلا حقوق إطلاقاً فتتحول إسرائيل طبقاً لذلك إلى دولة استبدادية عنصرية بصورة رسمية؟

لا ينبغي أن يكون الاستخلاص النهائي من هذه التساؤلات الصعبة هو أن القادة الإسرائيليين سوف يتوصلون إلى قناعة بالإقلاع عن التفكير في مسألة ضم الضفة.

إن مشروع الضم يعني لدى القيادات الإسرائيلية الاستيلاء على الأرض الفلسطينية في الضفة مع رفض الوجود الفلسطيني. وهذا ما يفسر لنا حركة التوسع الاستيطاني المتنامي بإيقاع متسارع والذي ينهب المزيد تلو المزيد من أراضي الفلسطينيين على نحو يكاد يكون يومياً.

وإذن فإن استكمال تهويد الضفة وخاصة القدس وما حولها مباشرة لم يعد سوى مسألة وقت إذا بقى الشعب الفلسطيني بقيادته مستكيناً للأمر الواقع دون مقاومة. وألا يدرك الفلسطينيون في الضفة أن التفتيت الجغرافي لأرضها مع إقامة شبكة إسرائيلية من الطرق الالتفافية مع تفتيت الوحدة السكانية للمجموعات الفلسطينية يجعل بالفعل من إقامة دولة فلسطينية رواية خرافية؟

ولنعد إلى السؤال الأكبر المطروح: ماذا سيكون عليه المآل الفلسطيني عند نهاية المطاف؟

قبل بضعة أسابيع لاح على الأفق الإسرائيلي مرة أخرى مشروع "الوطن البديل" للفلسطينيين.. أي الترحيل الجماعي القسري للسكان الفلسطينيين إلى الأردن.

ربما يكون هذا حلماً إسرائيلياً متبطلاً.. فليس للقادة الإسرائيليين أن يفترضوا أن موافقة أردنية على المشروع أمر مُسَلَّم به. لكن مع ذلك من ناحية أخرى أن يفترض الفلسطينيون أن الإسرائيليين سوف يتخلون عن فكرة الترحيل الجماعي القسري.

على أية حال فإنه في مواجهة قضية "المآل النهائي" لا يتوفر للشعب الفلسطيني سوى المقاومة المسلحة المنظمة. وليعد القادة الفلسطينيون قراءة تاريخ حركات التحرر الوطني.

إن قيادات السلطة الفلسطينية يراهنون على دعم عربي. ربما من الممكن أن يقال إن "الربيع الثوري العربي" أفرز مناخاً راديكالياً ينظم كافة أنحاء العالم العربي. لكن على هذه القيادات أن تدرك ابتداءً أن الشعوب العربية لن تجد مبرراً للتحرك ما لم يتحرك الشعب الفلسطيني أولاً.

 

Email