متى يتوقف تسونامي الشرق الأوسط؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما زالت منطقة الشرق الأوسط تغلي بكل المقاييس وفي كل الاتجاهات. والشعور بقليل من الارتياح، بعد سقوط بعض الأنظمة القديمة ووصول سلطات حكم جديدة وانحسار الاعتصامات في الميادين الرئيسية في دول الربيع العربي، لا تعني أن السلام قد عم وأن العالم العربي لا ينتظر غير سقوط نظام الأسد فقط، لتعود الحياة إلى ما كانت عليه قبل سنوات!

آلة التغيير تحركت دون سابق إنذار، وتحركت بشدة وبشكل دامٍ، وعندما تتحرك آلة الشعوب فإن إيقافها يصبح شبه مستحيل. الشعوب حيثما كانت لا تتحرك من غير دافع، فهناك أسباب داخلية قوية ومتعددة تتولد وتتضخم إن لم تحل، وتخرج فجأة عن قدرة السيطرة، فتنفجر. وإن تم ضبطها لفترة زمنية محددة بوسائل القمع، فإنها تظل تتراكم من جديد حتى يتاح لها الوقت فتنفجر مرة أخرى، وهكذا.. أي أنه في النهاية تظل آلة ثوران الشعوب تعمل، ولو بشكل غير علني، حتى تحقق أهدافها.

الطريقة التي توصل إليها العرب في القرن الواحد والعشرين لقلب الأنظمة، بعد أسلوب الانقلابات العسكرية القديمة، يحق لها أن تحصل على براءة اختراع، حيث بدأت بعدها دول خارج سرب الدول العربية تمارس الأسلوب نفسه في المطالبة بحقوقها، من فرنسا إلى روسيا إلى الولايات المتحدة الأميركية نفسها. ولا تحتاج هذه الأفواج من البشر المطالبة ببعض الحقوق، سوى قرار الخروج إلى أي ميدان عام وحمل بعض الشعارات المنددة، حتى ترتعد فرائص النظام أياً كان، خوفاً من أن يحدث معه ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا.

يجوز أن يفشل الانقلاب العسكري ويعدم منظموه، ولكن يستحيل إعدام الملايين في مكان عام، مع وجود وسائل الإعلام العالمية وشبكات التواصل الاجتماعي التي تنقل تفاصيل الأخبار بالصوت والصورة الحية، وبسرعة البرق. لذا أصبحت ورقة الخروج إلى الشوارع هي الورقة الفعالة، والأنظمة حتى الديمقراطية منها، باتت تحسب حسابها.

دول الربيع العربي التي شطبت في أقل من عام واحد عقوداً من نظام الحكم الاستبدادي، وتحولت إلى نظام الأحزاب المتعددة وفتحت باب حرية الترشيح، ووضعت الدساتير، ما زالت وسوف تظل تغلي من الداخل، رغم ما يبدو من هدوء على السطح.

فهناك بقايا الأنظمة السابقة التي ما زالت تحلم بالعودة إلى ما كانت عليه، وترفض أن تهزم، وهناك من يرفض النظام الذي تم اختياره بشكل ديمقراطي، لأنه لا يمثل اتجاهاتها، وهناك تدخلات خارجية غربية وعربية لا تريد الاستقرار الداخلي لهذه البلدان، حيث تعلم أن وصول الأصوليين إلى الحكم يهدد مصالحها وأمنها القومي.. ولا ننسى بقايا تنظيم القاعدة الذي انتهز فرصة انشغال العالم العربي بصراعاته الداخلية، ليندس بين المعارك المستمرة وليحولها لصالحه بعد أن تم تهميشه.

ثم هناك دول عربية ما زالت تقاوم بشراسة ثورات شعوبها المسلحة، ليس كرهاً لهذه الشعوب، وإنما لأن الطائفية الدينية والسياسة العالمية المعقدة والمصالح الدولية، تلعب دوراً كبيراً في اتخاذ قرار الاستسلام، ناهيك عن قيمة إيرادات تجارة السلاح حتى على مستوى الدول التي تؤتي أكلها كل حين.

فهناك إسرائيل وجهاز مخابراتها، والولايات المتحدة ومنافذ النفط الذي يمر ما بين مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق، وهي منافذ تقع بين يدي دول عربية إسلامية.

المسألة أكبر من ثورات شعوب تحلم بالديمقراطية والاستقرار. وما دامت هناك ألف طائفة وألف مصلحة وألف خلية استيقظت بعد سباتها، فالأوضاع في المنطقة لن تستقر كما كنا نتوقع، بمجرد سقوط رموز الأنظمة السابقة. والقلق أن يمتد هذا الغليان إلى مناطق أوسع، فيما لو سقط النظام السوري.

هناك شعوب لدول عربية بعيدة وأخرى قريبة تنتظر نهاية أحداث سوريا، فإما أنها ستتحرك مندفعة بحماس نجاح الثوار في هذه الأخيرة، ومستلهمة من تجربة تونس ومصر وليبيا، أو بالإحباط والانتظار لإعادة ترتيب أوراقها من جديد.

وتظل الأوضاع غير مطمئنة والأمور لن تستقر والغليان ما زال يحيط بكل بقعة.. والكارثة أن الغرب دخل اللعبة وأخذ بزمام الأحداث، وحين يدخل الغرب من الباب يخرج السلام من الشباك..

 

Email