قمة التعاون الأخيرة.. التحديات واليقظة

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مدى 31 عاما منذ تأسيسه، لم يواجه مجلس التعاون الخليجي تحديات بهذا القدر من الخطورة كالتي يواجهها اليوم، رغم الأحداث الكبرى، بدءا من الحرب العراقية الإيرانية، إلى غزو الكويت، إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي اجتاحت المنطقة وقلبت الأوراق هنا وهناك وأقلقت الأرض التي نعيش عليها، إلا أن التحدي الذي نواجهه اليوم ربما يمثل تحديا آخر أكثر صعوبة، ومحكا يقيس مدى قدرتنا على مواجهة الصعاب واجتياز الخطر.

مجلس التعاون عام 1981 ليس هو في عام 2000، وليس هو في نهاية عام 2012.. وفي غضون سنة واحدة فقط، تغيرت الخريطة العربية من الشرق إلى الغرب، وانقلبت فيها الحسابات وتغيرت التوجهات وتبدلت الزعامات، وأصبح لدول كجمهورية مصر العربية، وتونس وليبيا قريبا، دساتير جديدة ورؤساء لم يكونوا سابقا في الحسبان.

وبما أن ثورات الشعوب تشبه الزلازل والبراكين الطبيعية، فلا بد أنها تؤثر في المناطق المحيطة بها. ومنطقة الخليج العربي تقع على بعد أمتار فقط من تلك الثورات، وعلينا أن نكون واقعيين ولا نعيش في عالم الأحلام التي تتحول بين ليلة وضحاها إلى كوابيس لدى آخرين!

دول منطقة الخليج العربي، رغم الأزمات البعيدة والقريبة، ظلت تحافظ على توازنها بين متطلبات التغيير ومتطلبات الاستقرار والأمن الداخلي. وهذا ما غفل عنه حكام الدول الأخرى، فقد تهاونوا في معرفة ما يحدث حولهم من تغيير يعيشه العالم، وأهملوا متطلبات شعوبهم. فكأنهم كانوا يعيشون في زمن غير زمانهم، غير عابئين بما يختلج في صدور مواطنيهم.

فكانت الطامة الكبرى. فالشعوب تشبه البراكين النائمة، وعندما تنفجر فجأة فإنها تحرق الأخضر واليابس، وهذا تماما ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن والآن في سوريا. وهذا ما فطن إليه حكام دول مجلس التعاون منذ زمن طويل، فلم ينتظروا تفجر تلك الثورات على مقربة من أسوارهم لكي يعيدوا حساباتهم، فمنطقة الخليج .

كما نعلم، تحكمها العادات والتقاليد العربية والقبلية العريقة، وقد سبقوا الغير بأزمان طويلة في التأكيد على التواصل المباشر مع مواطنيهم وحل مشاكلهم، وأحيانا بالتدخل الشخصي، ولم تتغير تلك السياسة بين الحاكم والمحكوم رغم اختلاف الزمن. هذه السياسة شكلت مع الوقت أركان الدولة الخليجية الأساسية التي قامت واستمرت عليها، أما البناء فقد تغير بما توجبه ضرورة التغير وبما يتماشى مع تبدل العصر والتطور.

لا أحد يدعي أن دول مجلس التعاون الخليجي هي تطبيق حي لجمهورية أفلاطون المثالية، ولكننا نقول إن واحدة من أهم متطلبات البناء، هي الأسس والقواعد القوية. وأسس وقواعد البناء هي التي تشكل في النهاية أمنه واستقراره، وأول متطلبات من يسكن هذا البناء هو العيش فيه بأمن واستقرار.

وهذا ما تحقق على مستوى كبير جدا في دول مجلس التعاون، قبل المجلس وبعده. وحيث تعيش على أرض مجلس التعاون الخليجي جنسيات وفئات وطوائف ومذاهب وأفكار مختلفة ومتنوعة، فبالتالي لا بد من إيجاد أرضية ثابتة ومستقرة للجميع. وهذا يعني أنه لا يحق لفئة واحدة من تلك الفئات أيا كانت توجهاتها ومبادئها وأغراضها.

فرض نفسها على الفئات الأخرى التي تكون المجتمع، وادعاء أنها هي الحق الذي يجب أن يتبع والآخرون على باطل. وللأسف قد يذهب بعض هذه الفئات إلى أبعد من مجرد طرح ومناقشة الرأي، فتصل إلى عملية هدم كل ما تم بناؤه، لأنه فقط يغاير فكرها.

دول مجلس التعاون تواجه هذه الأيام تحديات صعبة جدا ومنعطفا خطيرا في تاريخها، كنتيجة بديهية لتسارع وتيرة الصراعات الطائفية والمذهبية والسياسية، التي تدور رحاها في منطقة الشرق الأوسط، والتي يحاول بعض الأطراف من الداخل ومن الخارج زج منطقة دول مجلس التعاون فيها، وجرها إلى أتون هذا الصراع، اتباعا لمبدأ "علي وعلى أعدائي"، أو لسياسة الصيد في الماء العكر! وحكام مجلس التعاون الخليجي متيقظون لهذه الأحداث المتسارعة، واجتماعهم الأخير في مملكة البحرين يسير في هذا الاتجاه.

الوقت ضيق، والوقت يدق ناقوس الخطر، والمسؤولية مشتركة بين الجميع حكاما ومحكومين، من أجل فرض العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، ليعيش كل فرد على أرضنا في سلام وأمان واستقرار. فالزلازل عندما تقع والبراكين عندما تنفجر، لا تفرق بين غني وفقير أو مؤمن وكافر، ولا بين حاكم ومحكوم أو بين مواطن وأجنبي.

 

Email