مصر.. إلى أين تتجه الأمور؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

المشهد السياسي في مصر لن يزداد إلا قبحاً. لقد كان الظن عند الشعب المصري بفئاته المختلفة، أن إجازة الدستور ستكون فاتحة عهد جديد في الاستقرار السياسي والأمني، مما يتيح لسلطة الرئيس مرسي المنتخب مباشرة، التعامل الجاد مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة وما تفرزه من شظف معيشي وبؤس اجتماعي، وتحرك مصر الجديدة على صعيد العلاقات الخارجية في النطاقين الإقليمي والدولي.. لكن المؤشرات المتوافرة كافة لا تبشر بخير.

ورغم أن وثيقة الدستور حظيت بدعم واضح من إرادة شعبية لا تجوز الاستهانة بها، إلا أن ما تفيد به المؤشرات هو أن مرحلة ما بعد إجازة هذه الوثيقة، لن تكون سوى امتداد لمرحلة ما قبل الدستور؛ مشاغبات متبادلة بين المعارضة والسلطة، تبتدرها كتلة قوى المعارضة بزعامة "جبهة الإنقاذ الوطني".

الهدف الأكبر لمجموعة أحزاب المعارضة هو إسقاط نظام جماعة "الإخوان المسلمين"، الذي يتزعمه على الصعيد السلطوي د. محمد مرسي. لكنها تزهد في الاحتكام إلى صندوق الاقتراع، فتنتقل بمعاركها مع نظام "الإخوان" إلى غوغائية الشارع، وتكون النتيجة المتجددة مشاغبات متصلة، مما يجعل مؤسسة السلطة في حالة شبه شلل وسط مناخ عام من الاضطراب الأمني.

الطاقم القيادي لكتلة المعارضة لا يقتصر على شخصيات سياسية، فهناك أيضاً مجموعة من القضاة آثرت أن تجعل سلطة القانون في خدمة المعترك السياسي لصالح المعارضة ونكاية في مرسي وسلطة الحكم وجماعة الإخوان. تضاف إلى هؤلاء وأولئك جميعاً، شخصيات عتيقة من أقطاب نظام مبارك.

إذن، يبرز تساؤل مصيري: هل انتهت ثورة الخامس والعشرين من يناير قبل أن تبلغ منتهاها على طريق إثبات الشرعية الثورية؟

من الواضح لأي مراقب موضوعي، أن المعارضة تدفع في اتجاه إجهاض المد الثوري. وربما توصل بعض قيادات المعارضة إلى قناعة مبدئية، بأن إسقاط نظام حكم على قمته رئيس حائز على نصر انتخابي في وضع ديمقراطي تعددي، ومستند إلى تنظيم شعبي يقارع المعارضة، ليس فقط الحجة بالحجة وإنما أيضا الشارع بالشارع، أمر ليس سهلاً.. إن لم يكن مستحيلاً.

وعليه فإن المتوقع هو أن تلجأ المعارضة إلى نهج بديل، يجعل السلطة عاجزة عن ممارسة العمل السلطوي اليومي بانشغالها المتصل بالشأن الأمني. وبذلك تفشل مؤسسة مرسي الرئاسية في معالجة القضايا والأزمات الملحة، التي من أجل مواجهتها اشتعلت ثورة "25 يناير".

إنها قضايا وأزمات من الضخامة والتعقيد بحيث إن التعامل معها لن يكون سهلاً على الإطلاق، حتى لو لم تكن هناك معارضة مشاكسة.

في مقدمة هذه القضايا والأزمات؛ المد التضخمي الذي يفرز غلاءً تصاعدياً في أسعار السلع التموينية الأساسية، وهنا تتشابك الأزمات المزمعة مع بعضها. فالغلاء يلتهم رواتب وأجور ذوي الدخل المحدود، ليس فقط بين طبقة المسحوقين من العاملين، بل حتى فئات الطبقة الوسطى التي تضمحل مع مرور الزمن لتضاف إلى شرائح الطبقة الأدنى.

وإلى هؤلاء جميعاً تنتمي مجموعات العاطلين الذين يتخرجون من الجامعات والمعاهد بأعداد أسطورية، لينضموا إلى صندوق البطالة التي تتضاعف عاماً بعد عام.

من المفترض أن لدى الرئيس مرسي وحزبه الحاكم برنامجاً شاملاً للتصدي لأزمات الاقتصاد المصري، ووضع حلول لها تنعكس إيجابياً على الحالة المعيشية للأسر.. تخفف عنها الأعباء وتضع حركة الاقتصاد الوطني على طريق البرمجة التنموية. لكن في كل الأحوال، فإن استنباط حلول للأزمات مع تدهور اقتصادي تواصل على مدى ثلاثة عقود زمنية يستغرق زمناً يحسب بالسنين.

إن من المؤكد أن كتلة المعارضة سوف تعمد إلى استغلال هذا الوضع الصعب لعرقلة أي خطوات إصلاحية، بحيث تبدو مؤسسة مرسي الرئاسية وكأنها سلطة حكم فاشلة.

ولنتساءل: ما المخرج؟ المخرج يتمثل في إشراك قوى المعارضة في السلطة مع مرسي وحزبه، بتشكيل حكومة ائتلافية قومية بهدف جعل أحزاب المعارضة طرفاً في تحمل مسؤولية الحكم، وفق ميثاق سياسي وبرنامج وطني للإصلاح متفق عليه مسبقاً بين الجميع. وبذلك ستكون هذه فرصة لقيادات المعارضة، لتثبت صحة ادعائها بأنها تسعى جاهدة لتحقيق مصالحة وطنية.

أما إذا رفضت هذا الطرح متمسكة بهدف إسقاط النظام، فإن على "حزب الحرية والعدالة" الحاكم أن يستخلص في هذه الحالة أن ثورة "25 يناير" قد توقفت عن النمو، مما يتطلب تجديدها لمواصلة التوجه نحو الأهداف الكبرى التي من أجلها انطلق المد الثوري.

لقد شاب المسار الثوري عيبان مصيريان: أولا؛ أنه لم تكن للفوران الشعبي في الشارع قيادة تنظيمية.. ثانيا؛ أن الشارع اكتفى في وسط الطريق بتنحي مبارك ودخول المجلس العسكري على الخط، وبذا هبط نبض الفوران الثوري.

إذن، لقد آن الأوان لتصحيح ما ترتب على هذين الخطأين الجسيمين.

 

Email