مصدر خوف الطغاة الأكبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشترك معظم الطغاة على امتداد العالم، في خوف مشترك لا علاقة له بالولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي "ناتو" والأمم المتحدة أو أي كيان خارجي آخر، بل إن القوة التي تخيفهم أكثر من غيرها هي وسائط التواصل الاجتماعي.

وهذه الوسائط التي صممت أصلا كمنابر للشباب الأميركي للتحدث عبر الإنترنت، مثل "فيسبوك" و"تويتر" والمدونات وغيرها، انتشرت حول العالم، وهي الآن تستخدم كما الهراوات ضد القادة المستبدين في أماكن مثل فيتنام وروسيا وبيلاروسيا.

وفي تلك البلدان وكثير غيرها، فإن القادة يهاجمون المدونين ومستخدمي موقع "تويتر"، كما لو أنهم ثوار مسلحون، وهذا القمع يزداد انتشارا.

في الهند، نشرت طالبة عمرها 21 عاما، مؤخرا، تعليقا ينطوي على انتقاد خفيف لشخصية سياسية هندوسية كانت قد وافتها المنية لتوها. وفي غضون 24 ساعة، قامت الشرطة باعتقالها وصديق لها "أعجب" بما نشرته الطالبة على موقع "فيسبوك"، واتهمتهما بالانغماس في خطاب عدائي كريه، وهذا حصل في إحدى الديمقراطيات الأقوى في العالم.. والشرطة قامت بإطلاق سراحهما بعد بضعة أيام.

ومثال نموذجي آخر يأتي من بيلاروسيا. وهناك، الرئيس الكسندر لوكاشينكو، المعروف بأنه الدكتاتور الأخير في أوروبا، يبدو أنه يحارب الإسهاب والإطالة في الكلام على الإنترنت طوال الوقت.

ومؤخرا، رفضت المحكمة العليا في الإكوادور طلبا بتسليم مدون هرب إليها من بيلاروسيا، بعد أن اتهمته الحكومة بالتزوير والغش. والكسندر بارانكوف كان يدون حول الفساد الحكومي المتفشي، ويمثل رفض تسليمه تحديدا، عرضا جريئا لعبثية الاتهام بالتزوير، لأن رافاييل كوريرا، رئيس الإكوادور، وهو مناصر للرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، ليس نصيراً لحرية الصحافة، ومع ذلك فقد تحدى طلب بيلاروسيا.

وبارانكوف ليس المثال الوحيد، فمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا نددت بسجل لوكاشينكو في اعتقال الصحافيين والمدونين، قائلة: "للأسف فإن الاعتقالات وعمليات التفتيش الأخيرة في مينسك وفي كل المواقع الأخرى في البلاد، تظهر الجهود المتواصلة لتكميم أفواه المعارضة وتضييق الخناق على حرية التعبير على الإنترنت".

لكن الحقيقة المرة هي أن الطغاة الذين شعوبهم هم الأكثر اضطهادا وغارقة في فقر مدقع، في لاوس وكمبوديا وإريتريا وموزمبيق ومجموعة من الدول الأخرى، ليس عليهم أن يقلقوا حول مشكلة وسائط التواصل الاجتماعي، ذلك أن معظم الناس ليست لديهم إمكانية الوصول إلى الحواسيب والهواتف الخليوية، وكثير منهم أميون ولا يمكنهم استخدام الأجهزة حتى لو كانوا يمتلكونها، وهذا يترك قادتهم أحرارا في الدوس على حقوقهم بحصانة شبه كاملة.

والصين تظهر هذا الأمر أكثر من أي دولة أخرى، فبرنامج الدولة للتنمية الاقتصادية انتشل ملايين الصينيين من الفقر، وكان الصينيون في السابق ساكنين وهامدين نسبيا، لكن مع الازدهار برز إدراك جديد لمدى قمعية الحزب الشيوعي الصيني. بالتالي، فقد توجه ملايين الصينيين إلى المنابر الإعلامية الاجتماعية الجديدة، في سبيل التذمر والتشكي.

والآن تنفق الصين مالا أكثر على الأمن الداخلي، بما في ذلك على مكتب المراقبة الهائل على الإنترنت، أكثر مما تنفق على جيشها، ومنتقدون مواظبون على الإنترنت يجري سجنهم أو ما هو أسوأ من ذلك.

وهذا يظهر حقيقة أن الحكومة الصينية تخشى شعبها أكثر بكثير مما تخشى من أي قوة خارجية، وهناك دول أخرى تلحق بركبها. فروسيا تعمل على تطبيق نظام تصفية هائل جديد على الإنترنت، وهو ظاهريا في سبيل حماية الأطفال من المواقع المسيئة، لكن دعاة حقوق الإنسان يحذرون من أنه بالإمكان بسهولة استخدامه لمنع التعليقات في وسائط الإعلام الاجتماعي التي لا تعجب الحكومة.

 

Email