لو كانوا يعقلون..

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا لا يستمع رؤساء العالم العربي لصوت شعوبهم وما تكتبه أقلام مفكريهم؟

إن سبب الكارثة التي وقعت لبعض هؤلاء الرؤساء ومن سيأتي عليهم الدور لاحقاً، يتلخص في أنهم صمّوا آذانهم ولم يفتحوا عيونهم، فلاقوا ما لا يتوقعونه.

لكَم كرر الكتاب والمؤلفون والمفكرون أن العالم في تغير، والتاريخ كذلك، وحتى الطبيعة تتغير. وهذا التغيير سوف يصيب الجميع، عاجلاً أم آجلاً.

في عصور ما قبل التاريخ، كان الإنسان ينام في الكهوف ويلبس جلود الحيوانات، ويجر الرجل المرأة من شعرها! وكان يعيش على الفوضى. ثم تطور حتى وصل إلى تشكيل المجتمعات البشرية، حينها انتشرت ظاهرة الملوك والأباطرة والقياصرة والتيجان، وانتشرت معها ظاهرة الاستعباد والرق.

أما في عصرنا الحديث فقد تطورت فلسفة الحكم وتغيرت أساليبه، فتمكن حتى الإنسان البسيط من إسقاط الإمبراطوريات وانتزاع العروش والجلوس عليها بوسائل شرعية يطلق عليها الديمقراطية، فحق لأكثر الناس تواضعاً أن يصبح زعيماً، دون أن يجرؤ أحد على سؤاله عن نسبه أو أصله أو فصله أو لونه أو دينه.

العالم تغير بسرعة البرق، غير أن المطلوب ليس انتظار التغيير الذي يأتي بسرعة البرق فيحرق معه النظام بمن فيه ويلقي به في مزابل التاريخ.. وما أكثرها منذ زمن نيرون وهولاكو وهتلر.

إن الرؤساء من العرب الذين أزيلوا من على عروشهم، وبالطريقة التي طاروا بها بعد أن تربعوا عليها طوال عقود من الزمن، قد خسروا ماضيهم وحاضرهم وما قد كان سيكتبه التاريخ عنهم بماء من الذهب بعد رحيلهم.

كل هؤلاء الزعماء الذين كانوا يفكرون بمنطق العصور الوسطى، والذين قتلوا أو فروا أمام فيضانات الثورات العربية، أو شنقوا بعد إدانتهم من قبل المحاكم الشعبية، أو هؤلاء الذين ما زالوا في انتظار النهاية المحتومة، تركوا مثالاً سيئاً ليس فقط للعرب والإسلام، بل للعالم أجمع. فالرئيس العراقي السابق صدام حسين، شنق وهو في التاسعة والستين من عمره، ولو عاش لظل يحكم العراق بنفس النظام والسياسة وعمره سيكون اليوم 75 سنة!

أما الرئيس زين العابدين بن علي فعمره اليوم 76 سنة! والرئيس حسني مبارك 84 عاماً! والعقيد القذافي قتل عن عمر يناهز الـ 70 عاماً! والرئيس علي عبدالله صالح عمره اليوم 70 عاماً! وحافظ الأسد توفي وهو في الـ70 من عمره، وأورث لابنه ما يلاقيه اليوم.

كان بإمكان هؤلاء الرؤساء لو تفكروا في مدى انعدام حجم كوكب الأرض الذي يتنازعون على جزء منه، عندما ينظر إليه من بين مليارات المجرات التي تسبح في الفضاء، ولو أمعنوا النظر في مدى قصر عمر الكائن البشري، ولو تيقنوا في داخلهم أنهم ميتون لا محالة، لتغير حال المواطن العربي ولرحل هؤلاء الزعماء عن الدنيا وهم في أعين شعوبهم أبطال عظام، وهذا هو المكسب الحقيقي للزعيم والذي لا يعادله ثمن.

ماذا كان سيحدث لو أن كل واحد من هؤلاء، وفي يوم تنصيب نفسه على العرش، فكر أن حياته المتبقية أقل مما مضى منها وأنه لن يعيش مدى الدهر، وقرر في تلك اللحظة أن يتخذ قراراً صعباً يبقيه حياً متوارثاً في قلوب شعبه إلى أن تقوم الساعة؟

هذا القرار لا يتعدى جملة: إنني أترك لكم حرية اختيار من ترونه مناسباً ليدير شؤونكم! لكانت العراق اليوم جنة من جنان الأرض، وتونس رمزاً للتقدم، ومصر مركزاً للصناعة والإنتاج، والسودان مصدراً عالمياً للمنتجات الزراعية، واليمن موقعاً استراتيجياً وسياحياً عالمياً، وسوريا قل عنها ما تشاء فهي تملك كل مقومات الرقي والتطور.

غير أن الذي حدث عكس ذلك تماماً، فقد قرر رجل واحد مستقبل أمة بكاملها! فجعل بلده بلداً قاحلاً متخلفاً ألف سنة للوراء، بعد أن ملأ خزائنه بأموال شعبه ورتب أوراقه لتوريث أبنائه من بعده دون وجه حق يملكه، فجنى على نفسه وعلى أبنائه، فمنهم من شنق ومنهم من فر ومنهم من سجن ومنهم من قتل ومنهم من ينتظر.. وألقي بهم جميعاً في مزابل التاريخ دون رجعة!

وكما قال ربي عز شأنه في كتابه الكريم: ((وتلك الأيام نداولها بين الناس)) صدق الله العظيم.

 

Email